الجمعة, 19 سبتمبر 2025 06:47 PM

الموسيقى السورية في خطر: هجرة المواهب وأزمة التمويل تهدد مستقبلها

الموسيقى السورية في خطر: هجرة المواهب وأزمة التمويل تهدد مستقبلها

عنب بلدي ـ أمير حقوق تُعد الموسيقى جزءًا لا يتجزأ من التراث الثقافي السوري، فهي تعكس ثراء الحضارة والتاريخ العريق لسوريا. لطالما تميزت سوريا بموسيقاها المتنوعة التي أسرت قلوب المستمعين من مختلف الأجيال والمناطق، وكانت وسيلة لنقل القيم والتقاليد والهوية الوطنية. كانت الموسيقى السورية من بين أقدم وأكثر أشكال التعبير الفني نشاطًا في المنطقة، حيث تطورت عبر قرون من الحضارات المتنوعة، كالفينيقيين والآشوريين والبيزنطيين والعرب. وتُعتبر أقدم قطعة موسيقية مسجلة في التاريخ العالمي موجودة في معبد عشتار بمملكة ماري في سوريا.

واقع موسيقي "غير إيجابي"

يعتبر المعهد العالي للموسيقى البوابة الأكاديمية للموسيقى في سوريا، وقد خرّج كبار الموسيقيين السوريين منذ تأسيسه عام 1990، إلا أنه يواجه اليوم نقصًا في الخبرات الأكاديمية. صرح عميد المعهد العالي للموسيقى، "المايسترو" عدنان فتح الله، لعنب بلدي، بأن المعهد مؤسسة أكاديمية تخرج حوالي 25 موسيقيًا أكاديميًا سنويًا. وأضاف أن سوريا تعاني بشكل عام من نقص في الموسيقيين الأكاديميين، وأنه منذ افتتاح المعهد عام 1990، كان يعتمد على الخبراء الأجانب في المواد العلمية الموسيقية، خاصة في مجال الآلات. وبعد اندلاع الثورة السورية، أصبح الاعتماد على خريجي المعهد والخبرات المحلية، نتيجة لسفر الخبراء الأجانب.

وأشار فتح الله إلى أن هجرة الموسيقيين، وخاصة الأكاديميين، مستمرة، مما يضطر المعهد إلى الاستعانة بالخريجين وبعض الأساتذة لمساعدة المدرسين الأكاديميين، وذلك لضمان استمرار العملية التدريسية داخل المعهد أو حتى في معهد "صلحي الوادي" التابع لوزارة الثقافة. واعتبر أن وجود دار الأوبرا وبرامجها الموسيقية كان عاملًا محفزًا لبعض الأكاديميين والموسيقيين، خاصة من الناحية المادية، حيث كانت تصدر برامج شهرية. لكن بعد التحرير في كانون الأول 2024، توقفت أنشطة الدار لأسباب إدارية، وفي تموز الماضي، أعادت الأوبرا تفعيل أنشطتها وأصدرت برنامجًا موسيقيًا، إلا أنه توقف بسبب أحداث السويداء، على أمل أن يُستأنف في آب الحالي، مما يضمن استمرارية عمل الأكاديميين إلى جانب التدريس.

هجرة صناع "أورنينا"

تعتبر هجرة الموسيقيين عائقًا مستمرًا يواجه الموسيقى السورية، حيث شهدت السنوات الأخيرة هجرة كبار الأكاديميين والخبراء، مما أثر سلبًا على إنتاجيتها وحضورها العالمي المعهود. وأكد "المايسترو" عدنان فتح الله أن المجتمع الموسيقي الأكاديمي في سوريا صغير، وبسبب قلة البرامج الموسيقية وما يترتب عليها من ضائقة مادية، يتجه بعض الموسيقيين إلى السفر. وأشار إلى أن عودة برامج دار الأوبرا في آب الحالي قد تعطي الموسيقيين الأمل في استئناف هذه البرامج والحفلات.

وأضاف أن بعض الموسيقيين عادوا بعد التحرير مباشرة والتحقوا بكادر المعهد العالي للموسيقى، وأن هناك عددًا من المهاجرين أبدوا رغبتهم في العودة قريبًا، بينما لا يزال البعض الآخر مستمرًا في هجرته. وأوضح أنه في الماضي، كان الموسيقيون يجدون فرص عمل في المطاعم والحفلات الموسيقية والغنائية، ولكن اليوم، لم تعد كل المطاعم والشركات الفنية تقيم حفلات فنية موسيقية، مما يحد من عمل الموسيقيين، سواء كانوا أكاديميين أم غير أكاديميين.

متطلبات إنعاش أهمها شركات إنتاج

تحتاج الموسيقى السورية اليوم إلى عدة متطلبات أساسية لإنعاش واقعها واستئناف عملها، بالتوازي مع الانفتاح السياسي الذي تشهده سوريا بعد التحرير. وفي هذا السياق، أكد "المايسترو" عدنان فتح الله أن الموسيقى السورية تتطلب استثمار هذا الانفتاح السياسي مع الدول العربية أو تركيا أو دول أوروبا، من خلال توقيع اتفاقيات أو مذكرات تفاهم لاستقدام خبراء للتدريس في المعهد العالي للموسيقى، أو تنظيم ورشات عمل تبادلية لتعزيز واقع الموسيقى السورية. وأشار إلى ضرورة استثمار فتح حركتي الاستيراد والتصدير، عبر استيراد آلات موسيقية ومعدات موسيقية حديثة وجديدة، لفتح آفاق الحركة الموسيقية وتأمين بيئة تدريسية مناسبة لطلاب المعهد.

ويرى أن الموسيقى يجب أن تكون حاضرة في المشاريع والمؤتمرات والمحطات الرئيسية، مثل معرض دمشق الدولي في دورته المقبلة، لأن سوريا تتمتع بأوركسترا جميع أفرادها سوريون، على عكس البلدان الأخرى التي تضم فرق الأوركسترا لديها عددًا قليلًا من أبناء البلد والبقية من خارج الدولة، وهذا مدعاة للفخر لسوريا وموسيقاها. ومن بين المطالب أيضًا إنشاء شركات للإنتاج الموسيقي، على غرار شركات الإنتاج الإذاعي والتلفزيوني، والتي بدورها توفر فرص عمل للمواهب والخريجين، لاستثمار الطاقات السورية، خاصة وأن سوريا لديها عدد جيد من المؤلفين الموسيقيين الجيدين الذين يحتاجون إلى هذه الشركات لتأمين بيئة مناسبة لأعمالهم، وعدم حصر أعمالهم بالتأليف الموسيقي للمسلسلات.

تحتاج الموسيقا السورية اليوم إلى شركات للإنتاج الموسيقي، أسوة بشركات الإنتاج الإذاعي والتلفزيوني، والتي بدورها توفر فرص عمل للمواهب وللخريجين.

عدنان فتح الله

عميد المعهد العالي للموسيقا

لا يزال يلاحَظ أن الموسيقا السورية حاضرة في تراثها، ويعمل العديد من الفنانين والمهتمين على الحفاظ على التراث الموسيقي وإحيائه من خلال المبادرات الفردية والجماعية، والأحداث الثقافية التي تحاول إعادة إحياء روح الموسيقا ونشرها من جديد، لضمان استمراريتها كجزء لا يتجزأ من الهوية السورية الغنية والمتنوعة.

مشاركة المقال: