عكست الاحتفالات المصاحبة لإطلاق الهوية البصرية الجديدة للجمهورية العربية السورية، والتي لا تزال مستمرة، وحدة السوريين وتشبثهم بجذورهم، وتوقهم إلى التحرر من ذاكرة أرهقتهم على مدى ستة عقود تقريبًا. فقد استمر نظام الأسد البائد (الأب والابن) في حكم البلاد لمدة أربعة وخمسين عامًا، مسيطرًا على مقدرات الدولة. واليوم، وبعد ثورة الشعب على جلاديه على مدى أربعة عشر عامًا تقريبًا، قدم السوريون تضحيات كبيرة وتمكنوا، بعزيمتهم وإرادتهم، من إنهاء التسلط والاستبداد، على الرغم من محاولات النظام البائد قمع ثورتهم باستخدام القوة المفرطة وأساليب التعذيب والتفرقة بين مكونات الشعب الواحد.
اليوم، وبعد تحرير البلاد قبل نحو ثمانية أشهر من نظام الحزب الواحد (البعث)، كان لزاماً على الدولة الجديدة تعزيز الوحدة الوطنية بين أبناء البلد الواحد على مختلف أطيافهم، وصهرهم في بوتقة واحدة تحت عنوان وراية جديدة لطالما حلم السوريون برفعها، وهي شعار الحرية والكرامة التي تعكس انتماء الشعب وتمسكه بقيمه الوطنية وعدم الاستسلام تحت أي ظرف كان.
الهوية البصرية الجديدة تمثل نقطة تحول، فهي ليست مجرد تصميم، بل تعبير عن بداية مرحلة وطنية جديدة، نابعة من نبض الناس وصبرهم وعزيمتهم على بناء دولتهم الجديدة وحماية أمنها معًا. ويرى مراقبون أنها تشكل رمزًا يستلهم من التاريخ هيبة الدولة، ومن المستقبل عزيمتها، وتعبر عن شعب ينهض من جديد بمختلف أطيافه ومكوناته، وتعكس تنوعه الحقيقي.
وفي هذا السياق، اعتبر وزير الخارجية والمغتربين أسعد الشيباني أن "الاعتراف بتنوع الشعب السوري نقطة انطلاق نحو المستقبل"، وأن إعلان الهوية البصرية الجديدة لسوريا هو "إعلان موت ثقافي لكل ما مثله النظام البائد من ظلم وفساد مقنع بالشعارات". وأضاف أن الهوية الجديدة "تظهر سوريا بوجهها الحقيقي، بعيداً عن الشعارات".
تزامن إشهار الهوية البصرية الجديدة للجمهورية العربية السورية مع الإنجازات والمكاسب التي تحققها الدولة السورية ودبلوماسيتها، ولا سيما رفع العقوبات الأمريكية والأوروبية ورفع علم سوريا الجديد في مقر الأمم المتحدة في نيويورك. وقال الشيباني: "خلال الأشهر الماضية لم تقبل الدبلوماسية السورية بالواقع المتهالك الذي ورثناه، وكانت في حركة دؤوبة لاستعادة حضور سوريا الدولي".
وانسجاماً مع تضحيات السوريين وثورتهم، حمل الشعار الجديد الذي جسدته الهوية البصرية خمس رسائل، أولها الاستمرارية التاريخية، فطائر العقاب ليس انقطاعاً، بل هو امتداد لتصميم 1945، وتأكيد أصالة الهوية السورية عبر الزمن. وفي ثاني الرسائل تمثيل الدولة الجديدة، فالعقاب هو سوريا الجديدة، دولة حديثة منبثقة من إرادة شعبها. وحمل الشعار كذلك رسالة تحرر الشعب وتمكينه إضافة الى وحدة الأراضي السورية عبر جمع مناطقها الجغرافية، التي لا تفاضل بينها، ولا إقصاء، بل تكامل. وأما خامس هذه الرسائل فيتلخص في عقد وطني جديد يحدد العلاقة بين الدولة والشعب.