أكد الأكاديمي والباحث في الشؤون الاقتصادية الدكتور فراس شعبو، صعوبة فرض رقابة مباشرة على الإيجارات في سوريا، وحتى في الدول المتقدمة، مشيراً إلى أن الأسعار باتت تقارب مدناً كبرى كإسطنبول، رغم التفاوت الاقتصادي والخدمي.
وأوضح شعبو أن السوق العقارية مرتبطة بعوامل العرض والطلب، والحالة الاقتصادية، وأحياناً بالحالة الأخلاقية لبعض المالكين، إلا أنه يجب على الحكومة اتخاذ خطوات نقدية ومالية أكثر من تشريعية، تبدأ بتحسين الخدمات في المناطق المتضررة.
واقترح الأكاديمي تأسيس هيئة مستقلة لتنظيم سوق العقارات، تتولى مراقبة الأسعار وتقديم رؤى واقعية للسوق، ووضع خطط لإعادة التنظيم العمراني، خاصة في ظل تفشي البناء العشوائي في دمشق، وتشجيع إشراك القطاع الخاص في جهود النهوض العمراني، مع منحه تسهيلات، على أن يقتصر دور الدولة على الرقابة والتوجيه.
وشدد الدكتور شعبو على ضرورة تشجيع المشاريع السكنية الطارئة، وبناء وحدات سكنية مؤقتة في ضواحي دمشق لتخفيف الضغط عن المدينة، إضافة إلى إعفاء شركات الإسكان من الضرائب، مشيراً إلى أن إعادة الإعمار تحتاج إلى وقت طويل وتمويل ضخم.
ولفت شعبو إلى التشوّه العميق في سوق العقارات بدمشق، نتيجة تداخل التنظيم القديم مع الحديث، وانتشار العشوائيات، مما يزيد التعقيد، ويكشف عن فوضى تسعيرية واضحة.
وعن ارتفاع الأسعار، أشار شعبو إلى أن الارتفاع الجنوني في أسعار العقارات لا يمكن تفسيره فقط بعودة السوريين، بل هناك أسباب جوهرية، أبرزها أن العرض أقل بكثير من الطلب نتيجة الدمار الكبير الذي طال الأحياء السكنية، وخروج آلاف الوحدات من الخدمة، سواء بسبب التدمير الكامل أو عدم صلاحيتها للسكن.
وأضاف: "غياب المشاريع السكنية الجديدة منذ سنوات أسهم في تثبيت العرض أو حتى تقليصه، مقابل زيادة الطلب الناتج عن عودة النازحين واللاجئين إلى المدن، فضلاً عن السياحة الموسمية لعدد من السوريين العائدين من الخارج إلى دمشق، ما شكّل ضغطاً إضافياً على السوق العقارية".
وأشار الدكتور شعبو إلى أن العامل الاقتصادي الأبرز في الأزمة يتمثل في التدهور الكبير لقيمة الليرة السورية، فعلى الرغم من التحسّن النظري في سعر الصرف، إلا أن القدرة الشرائية للمواطنين لم تتحسن فعلياً. وعلى سبيل المثال، كانت المليون ونصف ليرة تعادل 100 دولار في السابق، أما اليوم فتعادل نحو 150 دولاراً.
وتابع: "هذا التدهور في القيمة أدى إلى استغلال مالكي العقارات حاجة الناس في ظل غياب الرقابة القانونية والتنظيمية، حتى باتوا يفرضون أسعاراً خيالية تفوق ما كانت عليه في السابق، ففي بعض الحالات، كان المالك يطلب مبلغ خمسة ملايين ليرة، وهو مبلغ كان يعادل سابقاً نحو 300 دولار، لكنه يعادل اليوم نحو 500 دولار".
أما فيما يخص وجهة نظر الحكومة، فقد صرح مصدر خاص في محافظة دمشق، نقلاً عن موقع "تلفزيون سوريا" أن الحكومة تدرك تماماً حجم الضغط الذي يشهده سوق الإيجارات في العاصمة، خاصة في ظل ضعف الخدمات وغياب مشاريع سكنية جديدة.
وأشار المصدر إلى أن هناك دراسات قيد الإعداد لوضع مؤشرات سعرية مرجعية تساعد في ضبط الارتفاعات غير المنطقية في الإيجارات، رغم أن التسعير المباشر لا يزال غير ممكن قانونياً في الوقت الراهن، نظراً لخصوصية السوق واعتماده الكبير على مبدأ العرض والطلب.
وحول غياب الرقابة على سوق الإيجارات، اعتبر المصدر أن ضبط السوق العقاري يتطلب آلية متكاملة، تعمل عليها الوزارة بالتعاون مع وزارة العدل والنقابات العقارية، بهدف وضع دليل استرشادي للأسعار يُحدّث بشكل دوري، معتبراً أن الحل يكمن في تحفيز مشاريع الإسكان الطارئ، لا سيما في ضواحي العاصمة.
ولفت المصدر فيما يتعلق بالمناطق المتضررة بشدة إلى أن هناك خططاً تشمل تأهيل البنى التحتية، وإعداد مخططات تنظيمية جديدة، مع التفاوض مع شركات استثمارية محلية لتنفيذ وحدات سكنية في الضواحي، لتخفيف الضغط عن العاصمة وتحسين واقع السكن تدريجياً.