السبت, 4 أكتوبر 2025 07:59 PM

باشكوي: قرية شمال حلب تستفيق من رماد الحرب وتتطلع إلى إعادة الإعمار

باشكوي: قرية شمال حلب تستفيق من رماد الحرب وتتطلع إلى إعادة الإعمار

في ربيع عام 2025، عاد عبد السلام عليوي إلى قريته باشكوي شمال حلب، بعد غياب دام أحد عشر عامًا بسبب التهجير القسري. وقف أمام منزله المدمر، ساجدًا على ترابها، شاكرًا الله على نجاته. لكن الهدوء المخيم كان أشد وطأة من ضجيج المعارك: أشجار مقطوعة، حقول ذابلة، مدرسة تحولت إلى أنقاض، ومسجد مهجور. باشكوي، التي كانت تنبض بالحياة، بدت أرضًا منسية، خالية من الماء والقمح، وغائبة عنها أصوات الأطفال والأذان.

منذ عام 2012، اكتسبت باشكوي أهمية استراتيجية في شمال حلب، لقربها من طريق الكاستيلو ومحاور عندان وحيان وحريتان، بالإضافة إلى موقعها الرابط بين بلدتي نبل والزهراء ومدينة حلب. هذا الموقع جعلها خط تماس دائم وساحة معارك استنزفت أرواح أبنائها ودمرت بنيتها التحتية. في شباط 2015، شنت قوات النظام هجومًا من محور حندرات، وسيطرت على القرية، ثم تناوبت عليها فصائل المعارضة، في معارك عنيفة تبادلت خلالها السيطرة على الأرض.

تغيرت موازين القوى مع فك الحصار عن نبل والزهراء في شباط 2016، مما عزز الوجود العسكري للنظام في محيط باشكوي حتى سقوطها في كانون الأول الماضي. بعد التحرير، شكل أبناء القرية فريقًا تطوعيًا لإدارة شؤونها، برئاسة خالد الجغل، الذي صرح قائلاً: "باشكوي دفعت ثمن موقعها، وقدم أهلها عشرات الشهداء. اليوم، نواجه معركة من نوع آخر: الألغام، والدمار، والتهميش".

لا تزال مئات الألغام مزروعة في الحقول والمنازل، مما يشكل خطرًا دائمًا يمنع الأهالي من العودة الآمنة أو استصلاح الأراضي. الطرق مدمرة، والسواتر الترابية تعزل القرية. الطريق الرئيسي جُرف وأصبح غير صالح للاستخدام في فصل الشتاء. بعد تسعة أشهر من الانتظار، بدأت فرق الدفاع المدني بإزالة بعض الأنقاض، وتمكنت وحدات الهندسة من تفكيك عدد من الألغام، لكن الخطر لا يزال قائمًا، والحياة معلقة بين الأنقاض.

يصف الجغل الوضع الخدمي بأنه "تحت الصفر"، فلا ماء ولا كهرباء ولا مخبز ولا مركز طبي. يتم شراء المياه، وقد يصل سعر الصهريج الواحد إلى 300 ألف ليرة، وهو عبء لا تستطيع معظم العائلات تحمله. المدرسة الوحيدة، التي بنيت عام 1968، تحولت خلال الحرب إلى ثكنة عسكرية، وتعرضت للنهب والتخريب، ولا تزال مغلقة على الرغم من محاولات الأهالي لترميمها.

يقول عبد السلام لمنصة سوريا 24: "رجعت إلى بيتي، فوجدت الدمار أوسع من كل ما تخيلته، لا شجرة، لا مدرسة، لا مسجد، ولا حتى خبز.. نحن أحياء ولكن بلا حياة". ويضيف حسن العسلة، وهو من سكان القرية: "باشكوي كانت خط جبهة لأربع سنوات، اليوم، هي قرية منسية، مدمرة ومعزولة، والماء فيها أغلى من القمح".

قبل الحرب، كان عدد سكان باشكوي يبلغ حوالي سبعة آلاف نسمة، وفقًا للجغل. أما اليوم، فلم تعد إليها سوى مئة عائلة فقط. من أصل 750 منزلًا، هناك 400 مدمرة كليًا، و200 بحاجة إلى ترميم، و50 فقط صالحة للسكن. توقفت الزراعة، التي كانت المصدر الرئيسي لرزق الأهالي، وتحولت الأرض الخصبة إلى حقل ألغام، على الرغم من أن القرية كانت تستخدم كموقع للتجارب الزراعية من قبل منظمة "إيكاردا".

يختصر الجغل المشهد بقوله: "باشكوي ليست مجرد قرية، بل عقدة مواصلات تختصر 25 كيلومترًا للقادمين من الريف الغربي إلى المدينة الصناعية في حلب". ومع اقتراب فصل الشتاء، يخشى الجغل وسكان القرية من الحصار مرة أخرى، ويطالبون بشكل فوري بـ "نزع الألغام، وتعبيد الطريق، وتأهيل شبكة المياه، وإنشاء فرن، وترميم المدرسة، وتأمين نقطة طبية".

تواصلت منصة "سوريا 24" مع عدد من المسؤولين عن الملف الخدمي في محافظة حلب، وأوضح بعضهم أن باشكوي مدرجة ضمن خطط إعادة التأهيل، لكن ضعف الموارد يبقى العائق الأكبر أمام تحقيق أي تقدم فعلي. على الرغم من كل شيء، لم يفقد سكان باشكوي إرادتهم في البقاء، ويتمسك من عاد إليها بالأرض، ويحاولون النهوض من تحت الأنقاض، وينتظرون من يمد إليهم يد العون. كما يقول أحدهم لمراسل المنصة: "الوضع كارثي، لكن الأرض لم تمت.. نحتاج فقط إلى ما يعيننا على البقاء، لنزرع من جديد، ونبدأ الحياة من أول السطر".

ويختم الجغل حديثه بكلمات تمزج الأمل بالإصرار: "لن نغادر أرضنا، مهما كلف الأمر.. لكننا بحاجة لمن يقف معنا، حتى تعود باشكوي كما كانت… حية".

مشاركة المقال: