الخميس, 27 نوفمبر 2025 01:32 PM

أبو جمال: حرفة المفروشات الدمشقية تتحدى الحرب وتنبض بالحياة في التل

أبو جمال: حرفة المفروشات الدمشقية تتحدى الحرب وتنبض بالحياة في التل

في ركن هادئ من ورشة متواضعة بمدينة التل في ريف دمشق، يواصل محمد بدر الدين، المعروف بـ "أبي جمال"، إحياء فن صناعة المفروشات العربية. منهمكًا خلف ماكينة الخياطة القديمة، يعيد أبو جمال الحياة إلى أثاث عتيق، مضيفًا لمسات عصرية إلى المجلس العربي التقليدي ليجعله قطعة متجددة.

من سقبا إلى التل: رحلة حرفة تواجه الصعاب

أبو جمال، الذي نشأ في سقبا بالغوطة الشرقية، ترعرع بين أصوات المناشير ورائحة الخشب. بالنسبة له، الموبيليا ليست مجرد مهنة، بل هي إرث عائلي يعود لثلاثة أجيال. يقول بينما يمسح قطعة خشب: "هذه المهنة جزء مني منذ الصغر، علاقتي بها لا تنقطع مهما كانت الظروف".

لكن الحرب غيرت كل شيء. كانت سقبا مركزًا هامًا لصناعة المفروشات في سوريا، مقصدًا للتجار من كل مكان. إلا أن الحصار والاشتباكات دمرت العديد من الورش والمعامل، واضطر العديد من الحرفيين للإغلاق أو الهجرة، مما أفقد المدينة جزءًا كبيرًا من هويتها الصناعية.

نزوح وبداية جديدة

في عام 2013، ومع اشتداد القصف على الغوطة، نزح أبو جمال إلى مدينة التل، محاولًا إنقاذ ما يمكن من معداته القديمة. لم يتمكن من جلب الكثير، لكنه أصر على البدء من جديد في غرفة صغيرة استأجرها. الإمكانيات المحدودة، انقطاع الكهرباء، ارتفاع الأسعار، وقلة الطلب، كلها عوامل جعلت الاستمرار في المهنة تحديًا يوميًا. ومع ذلك، لم يفكر أبو جمال في الاستسلام، فهي "الشيء الوحيد الذي لم يفقده".

فن التفاصيل

صناعة المفروشات بالنسبة لأبي جمال ليست مجرد قص وخياطة، بل هي فن يتطلب صبرًا وذوقًا وإتقانًا للتفاصيل الدقيقة: اختيار الإسفنج، تنسيق الألوان، شد الأقمشة، ومعالجة الزوايا يدويًا. ورغم نقص المعدات الحديثة، يصر على الجودة، خاصة في اختيار خشب الزان المعروف بمتانته.

أرباح محدودة

يعترف أبو جمال بأن هامش الربح ضئيل بسبب ارتفاع أسعار المواد الخام وتراجع الطلب. لكن الحفاظ على أسعار معقولة يجذب الزبائن ويساعده على الاستمرار.

حرفة تتلاشى وأخرى تورث

على الرغم من هجرة العديد من الحرفيين، يشير أبو جمال إلى عودة جزئية لبعض الورش، لكنها لا تستطيع استعادة مجد سقبا. أما هو، فيعمل على تعليم ابنه أسرار المهنة. يقول بابتسامة: "عملت ثلاثين سنة، والآن الدور على ابني ليكمل المشوار". في ورشته المتواضعة، تستعيد قطع الأثاث القديمة رونقها، ويستعيد أبو جمال ذكرياته، مصممًا على توريث حرفته قبل أن تندثر.

مشاركة المقال: