الإثنين, 3 نوفمبر 2025 10:15 PM

بعد سنوات من الحرب: ما الأسباب الكامنة وراء عدم اختفاء تنظيم "داعش"؟

بعد سنوات من الحرب: ما الأسباب الكامنة وراء عدم اختفاء تنظيم "داعش"؟

سامر ياسين – الحسكة

على الرغم من مرور أكثر من ست سنوات على إعلان هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" عسكرياً في سوريا والعراق، إلا أن خلاياه النائمة لا تزال تنشط بين الحين والآخر، مستغلةً التوترات الأمنية والفراغات التي خلفها سقوط نظام الأسد، والصراع المستمر منذ حوالي عقد ونصف في سوريا. وحتى بعد تراجع نفوذه العسكري، يظل التنظيم قادراً على تهديد أمن المنطقة.

الحاضنة الشعبية.. ما يزال التنظيم ينجو

تقول لامار أركندي، وهي صحفية سورية مهتمة بشؤون الجماعات الإرهابية، إنه "منذ عام 2019، نجح التحالف الدولي بمشاركة قوات سوريا الديمقراطية في سوريا والجيش العراقي في العراق في استعادة المناطق أو الجغرافيات التي كان يعتبرها تنظيم داعش دولة خلافته، وتحول التنظيم من مرحلة السيطرة على الأرض إلى مرحلة الذئاب المنفردة أو الخلايا النائمة".

وأضافت في حديث لنورث برس: "رغم انهيار دولة الخلافة والحملات الأمنية والعسكرية والإنزالات الجوية، فإن ذلك قد يقوض قوة التنظيم لفترة ما، لكنه لا يقضي عليه تماماً، ويعود ذلك إلى وجود الحاضنة الشعبية التي تحتضن هذا الفكر وتستمر في تجنيد المزيد من الموالين، خاصة الأطفال والنساء".

وتوضح أركندي أن التنظيم يستقطب الأطفال واليافعين لغسل أدمغتهم عبر التدريب والترغيب، بما في ذلك منحهم رواتب أو مناصب رمزية، كما يعمل على استمالة النساء مستفيداً من حالة الانهيار الاقتصادي في سوريا، مشيرة إلى أن "المرأة يمكنها تأمين كل مستلزمات التنظيم، من المواد الداخلة في صناعة المفخخات إلى تصوير المراكز العسكرية، ما يسهل تنفيذ العمليات الإرهابية".

وتضيف: "تنظيم داعش ظهر عبر مجموعات جهادية تنتشر في مناطق عديدة من العالم، بما في ذلك أفريقيا وآسيا وأفغانستان وجنوب آسيا وجنوب شرق آسيا، وباعتبار أن التنظيم يمتلك أذرعاً إعلامية كبيرة على منصات التواصل الاجتماعي، فهو يقوم بترويج عملياته الإرهابية وضخ دعاية بأنه لا يزال يمتلك زمام القوة ويواصل نشاطه على نطاق واسع".

كما تشير أركندي إلى أن التنظيم يستفيد من الفراغات السياسية في سوريا، مثل الصحاري الشاسعة التي توفر له بيئة آمنة للاختفاء والتدريب، واستغلال المخازن والأسلحة التي تركتها إيران بعد انسحابها، بالإضافة إلى استخدام الطائرات المسيرة في عملياته الأخيرة.

وتؤكد أن التنظيم يواصل نشر فكره عبر الإنترنت، من خلال صحف ومجلات ومواقع على منصة (التلغرام)، لجذب التمويل من الموالين والمتعاطفين.

الانقسامات تغذي نشاط داعش

من جانبه، يرى العميد الدكتور الأردني سعود الشرفات، أن "رغم الضربات الأمنية المستمرة، يبقى تنظيم داعش قادراً على التحرك في البادية السورية، مستفيداً من ضعف التنسيق بين القوات الحكومية وقسد، إذ تسمح المعلومات الاستخبارية المتفرقة ونقص التنسيق للخلايا بالانتقال بين مناطق النفوذ دون رصد دقيق".

ويضيف مؤسس ومدير "مركز شُرفات لدراسات وبحوث العولمة والإرهاب"، أن "الجغرافيا الشاسعة للبادية السورية المتصلة بالعراق والأردن توفر ملاذات طبيعية صعبة الوصول، تخلق فراغاً يمكن استغلاله. كما أن الظروف الاقتصادية الصعبة وانعدام الخدمات تجعل بعض المناطق أكثر عرضة لنفوذ التنظيم".

ويؤكد الشرفات أن استمرار نشاط داعش ليس مجرد فشل أمني مؤقت، بل نتيجة تفاعل بين ضعف التنسيق وبيئة مناسبة، ما يجعل القضاء عليه مهمة معقدة تتطلب استراتيجية شاملة تتجاوز الضربات العسكرية التقليدية.

ويضيف: "الانقسام السياسي والإداري في سوريا يمثل فرصة ذهبية للتنظيمات الإرهابية، فالسيطرة الموزعة بين الحكومة وقسد، إلى جانب النفوذ المتغير للفصائل المحلية، تترك مناطق واسعة مفتوحة أمام تحركات التنظيم، والعمليات الأمنية المشتركة غالباً ما تكون محدودة، وتبادل المعلومات الاستخبارية بطيئاً".

ويخلص الشرفات إلى أن البيئة الاجتماعية المضطربة وانتشار السلاح وضعف الخدمات تجعل بعض المجتمعات أكثر تقبلاً لوجود التنظيم أو أقل قدرة على مقاومته، ما يعزز قدرته على الاستفادة من الانقسامات المحلية والإقليمية للتمدد في المناطق الأقل مراقبة.

الخلايا الخاملة.. أخطر من النشطة

بدوره، يقول منير أديب، وهو باحث مصري في الشؤون السياسية والاستراتيجية وقضايا الأمن والإرهاب: "تنظيم داعش مر بتحولات كبيرة منذ تأسيسه في 29 حزيران / يونيو 2014 وحتى سقوط دولته في 22 أذار/ مارس 2019، والمرحلة الأخطر هي ما بعد سقوط التنظيم، حيث إن الخلايا المتناثرة، سواء كانت خاملة أو نشطة، تشكل تهديداً عالمياً لأنها موجودة في مناطق شاسعة ومختلفة، وبعضها عاد إلى الدول الأوروبية وأماكن أخرى، ما يزيد الخطر طويل المدى".

ويتابع لنورث برس: "الخطر الأكبر ليس في الخلايا النشطة، بل في الخلايا الخاملة التي قد تتحرك وتنشط في أي وقت، وهو تحول كبير يجعل التنظيم مستمراً رغم هزيمته السابقة، وإن الحروب والصراعات في مناطق مثل أوكرانيا وفلسطين والسودان والعراق وسوريا واليمن ولبنان تزيد من قوة هذه الخلايا".

ويضيف أن التحالف الدولي يفتقد إلى خطة استراتيجية واضحة، بينما الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية مشغولة بقضايا الحكم الفيدرالي والضغوط التركية، ما يقلل من فعاليتها في مكافحة الإرهاب. "الجهود الحالية غالباً تقتصر على ردود فعل أمنية متفرقة، ما يترك المجال للتنظيم لإعادة نشاطه وربما تنفيذ عمليات نوعية"، وفق أديب.

خلايا داعش مستمرة رغم الانتصار

وفي تصريح خاص لنورث برس، قال أبجر داوود، المتحدث الرسمي باسم قوات سوريا الديمقراطية: "بعد الانتصار على داعش بآخر أوكاره في بلدة الباغوز في دير الزور، استمر التنظيم كخلايا منتشرة ومتوزعة في العديد من المناطق، ومنها البادية السورية امتداداً إلى دير الزور ووصولاً إلى الهول، واستمر بالعمليات العسكرية التي تعتمد على الخلايا الصغيرة في الهجوم والتي لا تتجاوز أربعة مهاجمين، وقواتنا دائماً تقوم بصد هذه الهجمات وقد ألقت القبض على العديد من الخلايا".

وأضاف داوود أن الخلل الذي يزيد نشاط التنظيم يكمن في الفراغ الأمني والسياسي الذي حدث عقب سقوط النظام السابق، مع فرار عناصره وترك الأسلحة والمستودعات الممتلئة، حيث استغل التنظيم هذه الموارد لتنفيذ عمليات أكثر قوة.

وأشار إلى أن العمليات مستمرة حتى اليوم، في محاولة لتحرير عناصرهم المحتجزين في السجون، والعوائل في المخيمات، والأطفال الذين تربوا على الفكر المتشدد.

وأكد على ضرورة بقاء التحالف الدولي لضمان استمرارية محاربة الإرهاب من كافة الجوانب، مشيراً إلى أن أي توقف أو تقاعس يعطي فرصة أكبر للخلايا لإعادة التنظيم والقيام بعمليات نوعية.

وختم داوود بأن التنظيم دائماً يعمل على إعادة التموضع وتكثيف عملياته، لكسب عناصر جدد وإخراج المسجونين، مع استمرار خلق الفوضى وإحداث خلل أمني، مما يتيح له تنفيذ هجماته بقوة أكبر.

تحرير: معاذ الحمد

مشاركة المقال: