الشروط المطروحة من حركة “حماس” وإسرائيل للتوصل إلى اتفاق جديد في غزة، متباعدة إلى الحدّ الذي يصعب تدوير الزوايا معها، وابتكار حلول وسط من شأنها وقف الحرب في القطاع على نحو دائم أو موقت.
لا يرى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو “النصر المطلق” متحققاً إلا بإلقاء “حماس” السلاح، وبإبعادها عن أيّ صيغة من صيغ الحكم في القطاع مستقبلاً. وهو يستخدم الضغط العسكري ووقف المساعدات الإنسانية وقطع المياه والكهرباء عن سكان القطاع، وربما في إجراء لاحق سيعاود اعتقال الأسرى الفلسطينيين، الذين أفرج عنهم أخيراً في القدس الشرقية والضفة الغربية، لتحقيق هذا الهدف.
وتلوّح الحكومة الإسرائيلية بأنه إذا كان الثمن إعادة احتلال غزة بشكل كامل إلى أمد غير محدد، من أجل إنهاء “حماس” عسكرياً وسلطوياً، فإنها لن تتردد في الإقدام على هذه الخطوة، بعدما احتلت حتى الآن 40 في المئة من القطاع، منذ استأنفت العمليات العسكرية في 18 آذار/مارس الماضي.
وتردّ “حماس” على السقف الإسرائيلي العالي باقتراح أكثر جذريّة لإنهاء قضيّة الأسرى الإسرائيليين دفعة واحدة، في مقابل انسحاب إسرائيلي كامل من غزة، والعودة إلى ما قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023.
في خضم الشروط المتبادلة بين إسرائيل و”حماس”، ينشغل المبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف بالمفاوضات الأميركية-الإيرانية غير المباشرة، وهو المكلّف أيضاً بملفّي غزة وأوكرانيا، مما أتاح لإسرائيل فرصة التصعيد في الأسابيع الأخيرة في غزة والضفة ولبنان.
وإلى الاتصالات التي تجريها “حماس” مع الوسيطين المصري والقطري ومع المسؤولين الأتراك أيضاً، تعوّل الحركة على أن الزيارة المرتقبة للرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى السعودية في أيار/مايو قد ترغم نتنياهو على القبول، ولو بهدنة موقتة يجري بموجبها إطلاق دفعة من الأسرى الإسرائيليين الأحياء. هذا الرهان مبني على أن ترامب قد لا يكون راغباً في زيارة الشرق الأوسط بينما الحرب مستمرة في غزة.
وفي حال التسليم بإمكان الهدنة الموقتة كوسيلة لشراء الوقت بحثاً عن حلول مستدامة، فإن ذلك لا يضمن عدم لجوء نتنياهو إلى استئناف الحرب على غرار ما فعل بعد هدنتي 2023 و2025. وتستفحل المشكلة نتيجة استعداد ترامب لفرض أي قيود على نتنياهو في غزة والضفة ولبنان وسوريا. ومواقف الإدارة الأميركية إزاء “حماس”، وحتى الفلسطينيين في غزة، لا تختلف كثيراً عن مواقف الحكومة الإسرائيلية، وأحياناً تذهب أبعد كما حصل باقتراح نقل السكان إلى مصر والأردن، في الوقت الذي لا تأثير يذكر للمواقف العربية.
وحتى ورقة الأسرى الإسرائيليين وهي أقوى ورقة ضغط تملكها “حماس”، لم تعد إعادتهم أحياء من بين أهداف الحرب. هكذا يستدلّ من تصريحات وزير المال الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، الذي صرح الإثنين لـ”راديو غالي” الإسرائيلي قائلاً: “علينا أن نقول الحقيقة، إعادة الرهائن ليست أهم شيء”.
الأولوية لنتنياهو هي ما يزعمه من إمكان تحقيق “النصر المطلق”، بصرف النظر عن اعتراضات عائلات الأسرى وأصوات من المعارضة والصحافة الإسرائيلية، التي ترى بأن سياسة الحكومة تقود إلى “كارثة” في إسرائيل. التمسك بهذه السياسة يعني شيئاً واحداً وهو أن الحرب مستمرة على المدى القريب، وربطاً بانتخابات 2026 التي إن أجريت في موعدها أو أرجئت، ستكون محاطة بالمناخات الساخنة. من الحروب “على الجبهات السبع” إلى تصفية الحسابات مع القوى المناهضة لنتنياهو في الداخل، مثل الأجهزة الأمنية أو السلطة القضائية.
يفاخر نتنياهو بأن حروبه هي التي “غيّرت” وجه الشرق الأوسط، وفرضت توازنات عسكرية وسياسية جديدة، وهي التي ضمنت له البقاء في السلطة على رغم الإخفاق الكبير في 7 أكتوبر 2023. لذا، من غير المتصور أن يتوقف رئيس الوزراء الإسرائيلي الآن.