السبت, 18 أكتوبر 2025 03:54 PM

تحليل للقاء بوتين والشرع: كيف أعاد ترسيم العلاقات الروسية السورية؟

تحليل للقاء بوتين والشرع: كيف أعاد ترسيم العلاقات الروسية السورية؟

شبكة أخبار سوريا والعالم/ مما لا شك فيه أن المشهد كان لافتاً للنظر. قبل عام واحد فقط، كان من الصعب تصور الرئيس أحمد الشرع جالساً في قاعات الكرملين الفخمة، محاطاً بالترحيب الحار. وفي المقابل، الرئيس فلاديمير بوتين، ومعه كبار صناع القرار في روسيا.

على بعد بضعة كيلومترات، يقيم الرئيس المخلوع، الذي كان حليفاً وثيقاً للكرملين حتى وقت قريب. ربما تابع "اللاجئ لأسباب إنسانية"، بحسرة عبر الشاشات، الجزء المعلن من اللقاء في "القاعة الخضراء" الأكثر فخامة في القصر الرئاسي، حيث يستقبل كبار الزعماء.

هذا المشهد، الذي لم يكن ليخطر ببال أحد قبل عام، عكس بوضوح البراغماتية والقدرة على التكيف التي أظهرها الكرملين في تعامله مع الواقع السوري الجديد.

بوتين بدا مرتاحاً وهو يتحدث عن علاقات تمتد لثمانية عقود، متجنباً الخوض في السنوات الصعبة، ومؤكداً أن روسيا تبني علاقاتها على مصالح الشعوب وليس على اللحظات السياسية.

الشرع، من جانبه، بدا مدركاً لأهمية اللحظة التاريخية، مؤيداً رؤية نظيره الذي كان يطالب برأسه حياً أو ميتاً قبل عام، واستذكر بهدوء التغييرات التي طرأت على سوريا دون استخدام مصطلحات قد تكون حساسة للروس، مثل "تحرير سوريا".

القواعد العسكرية الروسية

خلف هذا المشهد، ترتيب دقيق ومحكم لمجريات الزيارة والنقاشات، كما هو معتاد في بروتوكولات الكرملين. من لحظة دخول الشرع القاعة التي انتظره فيها بوتين، مروراً بالتحية العسكرية، وصولاً إلى بدء الاجتماع المغلق.

من الطبيعي ألا يتم التطرق في الجزء المفتوح إلى القضايا الأساسية. لا حديث عن القواعد العسكرية الروسية التي يمثل استمرار وجودها أولوية للكرملين، ولا إشارة من الطرف السوري إلى العدالة الانتقالية ومطلب تسليم الأسد.

لكن الملفين كانا حاضرين في النقاشات، كما دلت تصريحات ديمتري بيسكوف وسيرغي لافروف لاحقاً، دون الإشارة إلى توافقات محددة.

في الملف الأول، أعلنت موسكو أن الرئيسين ناقشا مستقبل القواعد العسكرية، لكنها لم تقدم توضيحات إضافية، مما يشير إلى أن الملف يحتاج إلى مزيد من النقاشات. تشير تسريبات إلى رغبة مشتركة في التوصل إلى إطار قانوني جديد ينظم هذا الوجود ويعيد ترتيب مهام القوات وحجمها وصلاحياتها.

قد يكون أسيء فهم عبارة الشرع حول "احترام كل الاتفاقات المبرمة سابقاً"، لأن احترام سوريا لتعهداتها لا يعني بالضرورة الالتزام بالنصوص القديمة. وهنا يبرز الحديث عن اتفاق على "مراجعة تلك الاتفاقات" تم الإعلان عنه خلال زيارة وزيري الخارجية والدفاع السوريين إلى موسكو.

اللافت بروز معطيات من مصادر سورية حول التوصل إلى اتفاق مبدئي ينظم إدارة مشتركة في قاعدة "حميميم" الجوية وإعادة فتح مطار اللاذقية، لكن لم يتم تأكيد ذلك من الجانب الروسي.

أما ملف الأسد، فيبدو أنه نوقش بشكل عابر، وليس كمطلب رسمي. وقد رفض الناطق الرئاسي التعليق، مكتفياً بالقول إنه "ليس لدينا ما نقوله في هذا الشأن". لكن مصدراً سورياً في موسكو رجح أنه تم التطرق لمطلب تسليم الأسد في إطار حديث عام عن "العدالة الانتقالية".

نقطة أخرى مهمة، لفها الغموض، تتعلق بإمكانية لعب موسكو دوراً داخلياً للتهدئة في بعض المناطق أو لمساعدة السلطات السورية.

كثر الحديث عن قدرة موسكو على لعب دور وسيط في الشمال الشرقي مع المكون الكردي، وفي الجنوب مع الطرف الدرزي، وأيضاً في الوساطة مع إسرائيل لكبح جماح توغلاتها.

الدوريات وتأهيل الجيش

يشير خبراء إلى أن موسكو "قادرة ولديها الخبرة الكافية في هذا الشأن"، مذكّرين بأدوار روسيا السابقة في اتفاق الجنوب وتسيير دوريات في الجولان. لكن الكرملين نفى طرح موضوع تسيير دوريات روسية في مناطق سورية خلال اللقاء.

يبقى الموضوع مرتبطاً بـ"القدرة الروسية" في حال تم التوصل إلى اتفاقات لاحقاً. وقد يكون هذا الموضوع حيوياً في حال اتفقت موسكو ودمشق على آليات لإعادة هيكلة وتدريب الجيش السوري، وربما تسليحه، وهو موضوع نوقش خلال زيارة رئيس الأركان السوري إلى موسكو.

لكن هذا يحتاج إلى تنسيق للمواقف الإقليمية وفتح قنوات اتصال روسية مع إسرائيل لضمان عدم شن هجمات جديدة على المؤسسة العسكرية. بعبارة أخرى، قد تعود روسيا للعب دور الضامن للطرفين السوري والإسرائيلي، وتنشيط دورها في مناطق خطوط الفصل وفي ملف إعادة تأهيل الجيش، وهو أمر ما زال بعيد المنال.

الديون الروسية

هناك عنصر مهم يتعلق بالديون الروسية على سوريا والتعويضات المطلوبة من موسكو. هذا الملف لم يطرح للنقاش بعد بشكل تفصيلي، لكن الإشارات الأولى تدل على استعداد موسكو للتعامل معه في مسارين: الأول: استعداد مبدئي لإعفاء سوريا من الديون المستحقة في إطار تخفيف الضغط الاقتصادي، ويتطلب ذلك اتفاقاً واضحاً حول خطوات مقابلة، بينها منح شركات روسية حصصاً في ملف إعادة الإعمار.

الثاني، يتعلق بتوجه روسي بديل عن فكرة التعويضات، يقوم على إسهام روسي مباشر في إعادة تأهيل البنى التحتية الأساسية في قطاعات حيوية، وعلى رأسها قطاع الطاقة وطرق المواصلات. وهذا يشكل جزئياً عنصر اتفاق تم الإعلان عنه بعد اللقاء الرئاسي، ويقود إلى الدور الروسي المحتمل في تنشيط عمليات إعادة التأهيل.

مباشرة بعد اللقاء، قال ألكسندر نوفاك إن الشركات الروسية مهتمة بالعودة فوراً إلى سوريا، وإن موسكو مستعدة لإسهام قوي في إعادة تأهيل محطات الطاقة وبعض المشروعات الكبرى المتعلقة بالغاز والنفط، فضلاً عن العمل في مجالات مرتبطة بينها قطاع الطرق والأمن الغذائي من خلال إرسال إمدادات غذائية عاجلة على رأسها القمح، وكذلك إمدادات طبية.

وقال نوفاك: «ناقشنا اليوم مشاريع محددة في مجالات الطاقة والنقل وتطوير السياحة والرعاية الصحية والمجالات الثقافية والإنسانية».

إعادة الإعمار

أوضح المسؤول الروسي «ندرك عموماً أن سوريا بحاجة ماسة لإعادة الإعمار، فهي تعاني من دمار كبير في بنيتها التحتية، بما في ذلك البنية التحتية للطاقة والسكك الحديدية والنقل. ويمكن لروسيا تقديم الدعم هنا. كما أن شركاتنا مهتمة بتطوير البنية التحتية للنقل وإعادة تأهيل قطاع الطاقة، كما كان عليه في العهد السوفياتي»

وكان لافتاً أن وكالة أنباء «نوفوستي» نقلت عن وزير المالية السوري، محمد برنية، أن سوريا «مستعدة لتقديم فرص هائلة لروسيا لدعم إعادة إعمار البلاد».

عموماً يمكن القول إن اللقاء المهم في الكرملين، وضع الإطار العام لطي صفحة الماضي القريب، وتجاوز حقبة الأسد جزئياً، إذ لا حديث محتملاً بعد الآن عن دعم روسي معلن أو غير معلن لفلول النظام السابق، لكن هذا لا يعني أن الطريق نحو الاتفاقات على كل الملفات العالقة غدا يسيراً، إذ يحتاج الطرفان كما يقول خبراء إلى تفعيل آليات العمل الحكومي المشترك، ومواصلة النقاشات حول كل ملف بشكل تفصيلي.

وفي هذا الإطار بات معلوماً مثلاً أن الطرفين اتفقا خلال اللقاء الرئاسي على إعادة تسيير الرحلات الجوية بين موسكو ودمشق، وهي خطوة صغيرة لكنها ذات دلالة في إطار مسار تطبيع العلاقات. كما علمت «الشرق الأوسط» أن وزيري الخارجية أسعد الشيباني والدفاع مرهف أبو قصرة بقيا في موسكو بعد مغادرة الرئيس الشرع، الأربعاء. وبرزت معطيات عن اتفاقات سيتم توقيعها مع الجانب الروسي من دون الكشف عن تفاصيل إضافية بشأنها.

مشاركة المقال: