عنب بلدي – كريستينا الشماس
يشهد قطاع سيارات الأجرة العمومية ("التاكسي") في دمشق تراجعًا ملحوظًا، حيث لم تعد المهنة قادرة على تلبية الاحتياجات الأساسية للسائقين. تعاني معظم سيارات الأجرة من تقادمها وتجاوزها العمر الافتراضي منذ عقود، مما يتسبب في أعطال متكررة وتكاليف صيانة باهظة، في ظل عجز السائقين عن تجديد أو استبدال مركباتهم.
بالإضافة إلى هذه الأعباء، يواجه سائقو "التاكسي" منافسة متزايدة من السيارات الخاصة والتطبيقات الذكية التي تجذب الركاب بخدمات مريحة وأسعار واضحة، مما أدى إلى خسارتهم لجزء من عملهم.
مركبات قديمة وأعباء لا تُحتمل
تجاوزت مدة خدمة معظم سيارات الأجرة في دمشق 20 عامًا، مما جعلها عبئًا على السائقين والركاب على حد سواء. أصبحت الأعطال المتكررة جزءًا من الحياة اليومية للسائقين، بينما تتصاعد تكاليف الصيانة بشكل يفوق قدراتهم.
يقول محمد حسين، سائق "تاكسي" منذ 30 عامًا في دمشق: "كل أسبوع عندي تصليح، مرة ميكانيك، مرة كهرباء، مرة علبة سرعة، أنا ما عم أشتغل لأطعم أولادي، أنا عم أشتغل لورشة التصليح". يضطر محمد، الذي لا يملك مهنة أخرى، للعمل من الصباح الباكر حتى المساء لتحقيق ثلاث رحلات في أحسن الأحوال.
على الرغم من الانخفاض النسبي في أسعار السيارات في السوق السورية منذ سقوط النظام السابق، إلا أنها لا تزال بعيدة عن متناول السائقين. يتطلب شراء سيارة مستعملة بحالة مقبولة حوالي عشرة ملايين ليرة، وهو مبلغ يفوق قدرة سائق يعيش على دخل يومي بالكاد يكفي احتياجات أسرته.
يلخص فراس ديوب، سائق "تاكسي" منذ 18 عامًا، المعاناة المشتركة للسائقين في تحمل أعباء الصيانة المتكررة أو تكلفة شراء سيارة جديدة أو مستعملة بحالة جيدة تفوق قدرتهم، مما يضطرهم للاستمرار في استخدام سياراتهم القديمة، حتى وإن كانت بالكاد قادرة على السير في شوارع دمشق المزدحمة.
تواصلت عنب بلدي مع وزارة النقل السورية للحصول على توضيحات بشأن الشروط الجديدة لفحص المركبات العمومية ومنح التراخيص، لكنها لم تتلق ردًا حتى وقت إعداد هذا التقرير.
فوضى التسعيرة وغياب العداد
يثير استياء الركاب في دمشق "الفوضى" في تسعيرة سيارات الأجرة العمومية. قد تصل تكلفة رحلة قصيرة مع سائق "تاكسي" إلى 30 ألف ليرة، بينما يمكن أن تكلف نفس المسافة عبر تطبيقات سيارات الأجرة نصف هذا المبلغ، أي حوالي 15 ألف ليرة. يختلف السعر من سائق لآخر لنفس المسافة؛ فمثلاً، قد يطلب سائق 50 ألف ليرة للرحلة من منطقة باب شرقي إلى المزة، بينما يطلب آخر 60 ألف ليرة.
يعزو السائق فراس ديوب ارتفاع الأسعار وتضاربها إلى الوضع الاقتصادي وغلاء أسعار قطع الغيار والزيت والبنزين، معتبرًا أن التسعيرة التي يطلبها السائق ليست مبالغة، بل محاولة لتغطية المصاريف الأساسية للسيارة. ويوضح السائق مازن عوض أن نصف قيمة الرحلة التي تكلف الراكب 30 ألف ليرة قد تذهب للبنزين وحده. ويرى مازن أن السائقين لا يملكون خيارًا آخر سوى تحديد السعر المناسب للاستمرار في العمل.
ذكر مدير المؤسسة العامة لنقل الركاب، عمر قطان، في تصريح سابق لعنب بلدي، أن هناك خللًا في التزام سائقي الأجرة بتشغيل العدادات، ويعود ذلك إلى ضعف المتابعة من قبل الجهات الرقابية في زمن النظام السابق، مما أدى إلى الفوضى.
مطالب السائقين
يطالب سائقو سيارات الأجرة العمومية بتطبيق القانون بحزم لمنع السيارات الخاصة من العمل كسيارات أجرة، وتعزيز الرقابة على المخالفين. لا يعترض السائقون على وضع تسعيرة منصفة تتناسب مع أسعار الوقود والصيانة.
تتلخص المطالب الأساسية للسائقين في:
- التدقيق والرقابة الفعالة: ضبط السيارات الخاصة التي تعمل دون ترخيص.
- إيقاف عمل السيارات الغريبة: منع دخول سيارات من محافظات أخرى للعمل بشكل مخالف في دمشق.
- حماية مصدر الرزق: اتخاذ إجراءات تضمن استمرار عمل آلاف الأسر التي تعيش على هذه المهنة.
خطة مستقبلية
أشار مدير المؤسسة العامة لنقل الركاب، عمر قطان، لعنب بلدي، إلى خطة مستقبلية لإعادة تنظيم عمل سيارات الأجرة من خلال إلزام السائقين بتشغيل العدادات، وفرض تركيبها على المركبات التي لا تحتويها، ومنع تقاضي أي أجرة لا تتوافق مع العداد، تحت طائلة المساءلة القانونية. ودعا مدير المؤسسة المواطنين إلى الإبلاغ عن المخالفات من خلال نظام الشكاوى عبر رمز (كود) موجود على وسائل النقل، وهو مرتبط بمكتب شكاوى متخصص يتولى المعالجة والرد على الشاكي.
تُعِد المؤسسة العامة لنقل الركاب خطة شاملة لتحديث منظومة النقل، تتضمن إدخال آليات حديثة وصديقة للبيئة تتيح تحديد الأجرة إلكترونيًا من خلال تطبيقات موحدة تعتمد تسعيرة عادلة، مع تسهيل المعاملات الرقمية وربط جميع وسائل النقل بنظام تقني حديث.