بقلم: سركيس قصارجيان
شنت السلطات التركية حملة اعتقالات واسعة طالت المعارضة، حيث اعتقلت صباح السبت الماضي ثلاثة رؤساء بلديات جدد ينتمون إلى حزب الشعب الجمهوري المعارض. ووصل عدد المعتقلين في هذه الحملة إلى المئات من أعضاء الحزب، من بينهم 13 رئيس بلدية، أبرزهم رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، الذي يعتبر الخصم الرئيسي للرئيس رجب طيب أردوغان في حكمه المستمر منذ 22 عاماً.
وكان سجن إمام أوغلو في مارس/آذار الماضي قد أشعل موجة احتجاجات شعبية واسعة، هي الأكبر منذ أحداث "حديقة غيزي" عام 2013. وبعد سجنه، رشحه الحزب لخوض الانتخابات الرئاسية لعام 2028، والتي تطالب المعارضة بتقديم موعدها.
أعلن مكتب المدعي العام في إسطنبول عن احتجاز رؤساء بلديات ثلاث مدن جنوبية كبرى بتهم تتعلق بالفساد. وهؤلاء هم رؤساء بلديات مدينة أضنة الجنوبية، ومدينة أنطاليا السياحية الجنوبية، وبلدة أديامان الواقعة جنوب شرق البلاد، بالإضافة إلى ثمانية مسؤولين آخرين.
كما احتُجز الأسبوع الماضي رئيس بلدية إزمير السابق، تونتش سويير، المنتمي إلى حزب الشعب الجمهوري، إلى جانب 137 موظفاً بلدياً آخر، بتهم التلاعب في المناقصات والاحتيال. ويوم الجمعة، سُجن سويير و59 آخرون بانتظار المحاكمة، وهو قرار وصفه محاميه بأنه "غير عادل، وغير قانوني، ويحمل دوافع سياسية واضحة". وأفادت وسائل إعلام رسمية أيضاً باعتقال رئيس بلدية مانافغات، وهي مدينة سياحية تقع على البحر المتوسط في ولاية أنطاليا، و34 آخرين بتهم فساد.
ينفي حزب الشعب الجمهوري جميع التهم الموجهة لمسؤوليه، والتي تشمل أيضاً جرائم منظمة، ورشى، وتلاعباً في المناقصات. ويؤكد الحزب أن هذه التحقيقات ذات دوافع سياسية وتهدف إلى تقويض مكانة أردوغان في السلطة.
في المقابل، تصر الحكومة على أن الادعاء والقضاء يعملان باستقلالية، وتنفي أن تكون لهذه الحملة علاقة بالهزيمة التي مني بها حزب العدالة والتنمية الحاكم في الانتخابات المحلية عام 2024.
يواجه أردوغان تراجعاً كبيراً في شعبيته وسط اتهامات بقيادته تركيا نحو الاستبداد، في وقت لا تزال البلاد تعاني من أزمة اقتصادية خانقة أدت إلى ارتفاع كبير في معدلات التضخم وتدهور قيمة الليرة التركية. ووفقاً لمسح أجراه مركز ORC، بلغت شعبية حزب الشعب الجمهوري 47.9%، مقابل 41.2% لحزب العدالة والتنمية.
فاز حزب الشعب الجمهوري في الانتخابات البلدية الأخيرة برئاسة 14 بلدية كبرى، و314 بلدية فرعية، و60 بلدية صغيرة، بمعدل 37.81% من إجمالي الأصوات على مستوى البلاد، مقابل 12 بلدية كبرى، و346 بلدية فرعية، و168 بلدية صغيرة لحزب العدالة والتنمية الحاكم، الذي جاء في المرتبة الثانية بمعدل 35.49%.
أما بالنسبة للأصوات على مستوى المجالس البلدية ومجالس المحافظات، فيقدر الخبراء حصول حزب الشعب الجمهوري على نحو 34%، مقابل 30% لحزب العدالة والتنمية بزعامة أردوغان. واليوم، وبعد مرور 16 شهراً على النصر الانتخابي، تواجه البلديات التي فاز بها حزب الشعب الجمهوري حملة شبيهة بتلك التي اعتادت عليها الحركة السياسية الكردية، والمتمثلة بإقصاء رؤساء بلدياتها المنتخبين لمصلحة أوصياء تُعيّنهم السلطة.
وتنص المادة 127 من الدستور التركي على استقلالية البلديات، لكنها تتيح للحكومة المركزية فرض رقابة عليها. في الأثناء، صعّد مجلس أوروبا، ممثلاً بمؤتمر السلطات المحلية والإقليمية، من انتقاده لتركيا، واصفاً الإجراءات الحكومية الأخيرة بأنها "تآكل ممنهج للحكم المحلي الديموقراطي".
صعّدت حملة الاعتقالات الأخيرة من التوتر السياسي في تركيا، إذ اتّهم زعيم حزب الشعب الجمهوري أوزغور أوزيل الحكومة "بإجراء بروفة لإلغاء صناديق الاقتراع"، مؤكداً أن الاعتقالات تهدف لترهيب المعارضة استعداداً لأي استحقاق انتخابي. وأعلن الحزب عن تنظيم احتجاجات في عموم البلاد، واجتماعات مع قادة الأحزاب والنواب، مهدداً أردوغان بمصير الرئيس المصري حسني مبارك.
كذلك، تحدّى أوزيل أردوغان لإجراء انتخابات مبكرة في 2 تشرين الثاني/ نوفمبر 2025، ودعمه في ذلك زعيم حزب الرفاه مجدداً، فاتح أربكان، ما يعكس الانقسام المتزايد داخل التحالف الحاكم بشأن خطوات التصعيد الأخيرة.
وفي ظل الجو المشحون بالتوتر داخلياً، يحذّر الخبراء الاقتصاديون في البلاد من استمرار تدهور الأوضاع الاقتصادية، أمام تحدّيات سعر الصرف، وأسعار الفائدة، والأهم، ثقة المستثمرين. ويشير الاقتصادي التركي غورهان أتاخان إلى أن "أساس الاقتصاد ليس المال، بل الثقة".
وكشف حزب الشعب الجمهوري في وقت سابق من الأسبوع الماضي عن تجميد ما مجموعه 62% من الحسابات المصرفية العائدة لبلدياته، ما يعطّل خدماتها. وارتفعت عائدات السندات البلدية إلى 18.7%، وهو أعلى مستوى في 5 سنوات، مقابل تراجع الاستثمار الأجنبي المباشر في المشاريع المحلية بنسبة 43% على أساس ربع سنوي.
تكشف الأزمة المستمرة عن الاستقطاب السياسي العميق الذي يعيشه المجتمع التركي، مع تموضع حزب الشعب الجمهوري في موقع "المدافع الأخير عن الديموقراطية" في مواجهة سلطة متّهمة بالانزلاق نحو الاستبداد. ومع تصاعد حملات الاعتقال، تعوّل المعارضة على كبح جماح السلطة من خلال الشارع والدعم الدولي.
أخبار سوريا الوطن١-النهار