الخميس, 25 سبتمبر 2025 03:45 PM

تشويه إرث غسان كنفاني: محاولات للاستيلاء على فكره وتطويعه

تشويه إرث غسان كنفاني: محاولات للاستيلاء على فكره وتطويعه

نشر موقع Countercurrents.org مقالاً باللغة الإنكليزية حول إرث غسان كنفاني (1936-1972)، القائد الماركسي اللينيني والأديب والناقد الفلسطيني، مسلطاً الضوء على التشويه المتعمد لفكره ودوره في إطار تنظيم "القوميون العرب" و"الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" من قبل بعض الأوساط الأكاديمية. نقدم ترجمة المقال إلى اللغة العربية لأهمية مضمونه.

بقلم سي سيتانتا، يرى المقال أن المقاومة في غزة، في مواجهة الحرب الإبادية والعدوان التوسعي للكيان الصهيوني، قد أوقدت الأمل في إمكانية هزيمة الاحتلال الإسرائيلي المدعوم إمبريالياً. ومع انضمام الردود المسلحة من اليمن وإيران، دخلت حركة التحرر الوطني الفلسطيني مرحلة تحول جذري، مما أثار انزعاجاً وانقساماً بين داعمي الصهيونية الغربيين.

أدت التحركات منذ وقبل 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023 إلى معركة فكرية مضادة، حيث يبحث جيل جديد عن إجابات. وفي فلسطين المحتلة وخارجها، قاد البحث عن إطار لفهم الأحداث التاريخية الكثيرين للعودة إلى أعمال غسان كنفاني، القائد الماركسي والروائي والفنان ورئيس تحرير مجلة "الهدف"، الذي استشهد مع ابنة شقيقه لميس على يد جهاز الموساد الإسرائيلي في بيروت عام 1972.

اليوم، يثبت تشخيص كنفاني لدور الطليعة المسلحة يومياً في غزة، وتقدم جوانب أخرى من مساهمته البارزة تحليلات قادرة على إرواء عطش المنطقة والعالم للتغيير. لكن، كما هي الحال مع رموز ثوريين آخرين، فإن إرث كنفاني يُستخدم من قبل قوى تسعى إلى تشويه المعنى وتخفيف حدته.

ركز الكثيرون على أعمال كنفاني الروائية، مثل رواية "رجال في الشمس" عام 1963. كان كنفاني يشير إلى مسارين أساسيين في تكوينه: مشاهدته المباشرة لتجربة اللاجئين الفلسطينيين، وانخراطه في النشاط عبر "حركة القوميين العرب" بقيادة جورج حبش. عمل كنفاني في منشورات الحركة منذ 1955، وكان "كاتباً قومياً عربياً" في تلك السنوات، إذ أنتج قصصاً ذات وعي سياسي إلى جانب أعماله الروائية.

كلما تعمق كنفاني في السياسة، عبر الحركة القومية العربية ثم عبر "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين"، اتسع حجم إنتاجه الصحافي والسياسي مقارنة بأدبه التخييلي. على سبيل المثال، بلغ تقريره عن رحلة إلى الصين الشيوعية عام 1965 كمراسل لصحيفة "المحرر" 150 صفحة.

في إطار الجبهة الشعبية، لمع كنفاني كمنظر ماركسي وركيزة تنظيمية. كتب أو أسهم في كتيبات مثل "الإستراتيجية السياسية والتنظيمية" (1969) و"المقاومة ومعضلاتها" (1970)، وتدخّل بحسم في النقاشات الداخلية.

تضمنت مساهمات كنفاني النظرية نقاطاً جعلت أعماله تصمد أمام الزمن: صياغته لمصطلح "أدب المقاومة"، وفهمه للصهيونية كمستعمرة متقدمة للإمبريالية الغربية، وقراءته المادية لثورة 1936–1939، ونقده اللاذع للبرجوازيات العربية بعد هزيمة 1967، وتبنّيه مدرسة حرب العصابات، وتأسيسه لمبدأ المقاطعة المبدئية للكيان الصهيوني وحلفائه.

في معنى ما، ظل كنفاني حاضراً بين الفلسطينيين. اسمه وصورته على جدران المخيمات، ومشاريع مثل "شبكة رياض الأطفال" و "مؤسسة غسان كنفاني الثقافية" في لبنان. لكن، باستثناء روايات مثل "رجال في الشمس" و"عائد إلى حيفا"، فإن المساهمة السياسية الأعمق لكنفاني ظلت عصية حتى على أكثر القوى التزاماً على المستوى الدولي.

تغير هذا مع عودة أعمال كنفاني إلى الظهور عالمياً، بما في ذلك اكتشاف مقابلة عام 2017 مع الصحافي الأسترالي ريتشارد كارلتون. مدفوعةً بإعادة اكتشاف كنفاني، ظهرت ترجمات جديدة إلى الإنكليزية، من بينها: "عن الأدب الصهيوني" (2022)، و "ثورة 1936–1939 في فلسطين" (2023)، و"مجموعة الكتابات السياسية المختارة" (2024).

مع انتشار مقاطع كنفاني المصورة على الإنترنت، برز حقل أكاديمي جديد يُسمّى "دراسات كنفاني". لكن، إرث كنفاني تعرض للاستيلاء من قِبل قوى سياسية وأكاديمية تسعى إلى إساءة استخدام خطابه وتلويث جوهره.

تنوّعت هذه الممارسات بين استخدام اسم كنفاني من قِبل أجهزة السلطة الفلسطينية، وبين تحليلات أكاديمية تشكّك بلا سند في التزامه بالماركسية اللينينية للجبهة الشعبية وكفاحها المسلح. هذه المقاربات تركز بشكل كامل على أعماله الروائية، وتتعمد تهميش كتاباته السياسية للجبهة الشعبية وسابقتها، "حركة القوميين العرب".

تضم هذه الصناعة الأكاديمية القائمة على التشويش عدداً من المشتغلين النشطين. مثلاً، في جامعة "كِنت"، يقدّم بشير أبو منّه نفسه كخبير بكنفاني، فيما يهاجم المواقف المناهضة للإمبريالية في سوريا وفلسطين. وفي المقابل، يتجاهل أبو منّه الكم الهائل من كتابات كنفاني السياسية للجبهة. شريك أبو منّه في هذا المسار، الأكاديمي اللبناني جلبير الأشقر، الذي يقدّم نفسه هو الآخر كـ "اشتراكي علمي".

من بين جيل أصغر من الباحثين الذين يزعمون الارتباط بإرث كنفاني، يبرز اسم المترجم حازم جمجوم، الذي قدّم أخيراً ترجمة جديدة لكتيّب ثورة 1936–1939 في فلسطين. خلال ندوة، زعم جمجوم أن كنفاني حين كان رئيس تحرير صحيفة الجبهة الشعبية "الهدف"، "لم يكن يوافق على نصف ما يُنشر فيها". الأخطر أنّ جمجوم استحضر الزمن الافتراضي ليقول إن كنفاني لو كان حياً اليوم "لانشقّ أكثر عن خط الجبهة".

في مقابلة مع موقع "موندويز"، قدّم جمجوم قراءةً ملتوية لثورة 1936–1939 في السياق العربي الراهن. اللافت أنّ جمجوم كان من الموقّعين عام 2016 على بيان نظّمه الناشط اليميني جوي أيوب، يحمّل الدولة السورية وحدها مسؤولية الخراب، ويتجاهل تمويل المجموعات المتطرفة وتسليحها من قِبل الغرب والخليج وتركيا. تثير ترجمات جمجوم الجديدة سؤالاً مهماً: هل تنعكس مواقفه السياسية على عمله في الترجمة؟

في نص جمجوم مثلاً، يُترجم مصطلح الهجرة اليهودية أحياناً إلى "الهجرة الصهيونية"، وأحياناً أخرى إلى "تدفّق الهجرة"، ما يحذف كلمة "يهودية" تماماً. في مواقع أخرى، يترجم جمجوم عبارة "الحركة الوطنية الفلسطينية" بدقة، لكنه يعود في مواضع مختلفة ليستخدم تعبير "النضال من أجل الحرية" بدلاً من "النضال الوطني الفلسطيني".

رغم وضوح النصوص التي كتبها كنفاني بنفسه، يصرّ عدد من الأكاديميين الغربيين على تصويره كمنشق داخل الجبهة الشعبية، أو ككاتب مستقل لا علاقة له فعلياً بتنظيمه. هذه السرديات ليست سوى محاولات لإحداث قطيعة مصطنعة بين فكر كنفاني والممارسة الثورية للجبهة.

يلخّص الكاتب مروان عبد العال، القيادي في الجبهة الشعبية بلبنان، قيمة كنفاني بقوله: "من المهم أن نشير إلى أنّ غسان لم يكن عضواً في المكتب السياسي، ولم يُعيَّن فيه إلا بعد استشهاده، لكنه كان عضواً في اللجنة الإعلامية المركزية... إنّ مفكراً بهذا العمق والتجربة والشخصية كان قادراً على صياغة عقول الآخرين. بالنسبة إلي، هذا أخطر على إسرائيل من أي سلاح نووي".

كان كنفاني قد حذّر بنفسه من أنّ "تشويه الحقائق التاريخية أحد أعمدة الهيمنة الإعلامية الإسرائيلية". لم يكن كنفاني "متمرداً" على الجبهة الشعبية كما يصوّره الأكاديميون المراجعون، بل كان جزءاً أصيلاً من بنيتها، ومن أبرز من أسّسوا خطها الفكري والسياسي.

إن الحديث عن "دراسات كنفاني" بوصفها حقلاً أكاديمياً جديداً يجب أن يكون مشروطاً بأمرين: أن يُفتح على تعددية مناهج التحليل والنقاش، وأن يظلّ مرتبطاً بجوهر ما مثّله كنفاني، أي التزامه المطلق بخط المقاومة والتحرر الوطني. إن مواجهة الإمبريالية والصهيونية والرجعيات العربية تتطلّب أن نستعيد غسان كاملاً، لا غسان مشوَّهاً أو منزوع السلاح. إرثه ليس مجرد روايات، بل هو أيضاً نظرية ثورية، وموقف سياسي صارم، وإبداع في مواجهة أعتى قوى الاستعمار.

مشاركة المقال: