الإثنين, 27 أكتوبر 2025 03:37 PM

تصعيد في غزة: 93 شهيداً منذ وقف إطلاق النار وإسرائيل تختبر حدود "حرية الحركة"

تصعيد في غزة: 93 شهيداً منذ وقف إطلاق النار وإسرائيل تختبر حدود "حرية الحركة"

نفّذت طائرة مسيّرة إسرائيلية غارة استهدفت سيارة مدنية في مخيّم النصيرات، وسط قطاع غزة، وذلك مساء أول أمس. زعم الناطق باسم جيش الاحتلال أن السيارة كانت تقلّ قائد لواء المنطقة الوسطى في «سرايا القدس»، الذراع العسكرية لحركة «الجهاد الإسلامي»، وبرّر ذلك بادعاء تخطيطه لتنفيذ مهمّات عسكرية تشكّل تهديداً للقوات العاملة في القطاع. وتُعدّ هذه الحادثة أول خرق لوقف إطلاق النار الذي تم توقيعه في العاشر من تشرين الأول الجاري، من دون سردية تبرير تستند إلى حدث أمني.

وعقّبت حركة «الجهاد الإسلامي» على الحادثة، مؤكدة أن ادّعاء جيش الاحتلال بأن كوادر من سرايا القدس في النصيرات كانوا يعدّون لعمل وشيك هو ادّعاء كاذب وافتراء يهدف إلى تبرير العدوان وخرق وقف إطلاق النار. وحمّلت الحركة العدو المجرم مسؤولية هذا الخرق، ودعت الوسطاء إلى تحمّل مسؤولياتهم والوفاء بالتزامات وقف إطلاق النار وإلزام جيش الاحتلال بالتوقّف عن مثل هذه الاعتداءات.

وبعملية الاغتيال هذه، يرتفع عدد الشهداء منذ سريان وقف إطلاق النار إلى 93، منهم نحو 30 قضوا في الردّ على حدث أمني زعم الاحتلال وقوعه في منطقة رفح، بالإضافة إلى إصابة 324 شخصاً في عمليات قصف جوي وإطلاق نار بدعوى الاقتراب من الخطّ الأصفر. وفي الوقت نفسه، يواصل جيش العدو قصف مناطق تقع تحت سيطرته الأمنية في الأجزاء الشرقية من القطاع، وينفّذ عمليات نسف وتدمير لمبانٍ سكنية، كما حدث في حي الشجاعية شرق مدينة غزة.

تلك الأحداث المتلاحقة لا تُقرأ في سياق رغبة العدو في استدامة وتيرة منخفضة من التصعيد، بل في إعادة استنساخ النموذج اللبناني في غزة، وإن بوتيرة أخفّ زخماً. حادثة الاغتيال الأخيرة مثّلت اختباراً دمويّاً لهدنة ترامب، وللخطوط المسموح بها أميركيّاً في غزة.

اختلفت التقديرات حول الرسالة المفضوحة لحادثة الاغتيال، إذ قرأها محلّلون إسرائيليون على أنها «تدخُّل جراحي من وزير الخارجية الأميركي لتخفيف حدّة التوتّر الذي أحدثته زيارة كوشنر وويتكوف، والتي بدت فيها إسرائيل وكأنها ولاية أميركية»، أي أنها تمّت أصلاً بإذن أميركي، ما يعقّد مشهد الاستقلالية الإسرائيلية ويزيده حرجاً. فيما رأت صحيفة «يسرائيل هيوم» أن مجال المناورة الإسرائيلية في غزة محدود، وأن السعي إلى جعل القطاع كساحة لبنان عبر اغتيال عناصر وقادة يومياً «لن ينجح». وأضافت: «الفارق الرئيس أن حماس في غزة هي الحكومة أيضاً، بينما في لبنان هناك حكومة منفصلة تَعتبر حزب الله عدوّاً. وإذا لم يكن العالم يهتمّ كثيراً بما تفعله إسرائيل في لبنان، فإنّ كل قصف وحركة في غزة تُتابَع عن كثب دوليّاً».

وفي سياق ذي صلة، استغلّت حكومة الاحتلال العقبات اللوجستية والتعقيدات الميدانية التي تعترض عملية البحث عن جثامين القتلى الإسرائيليين، لتعلن عن خطوات للضغط على حركة «حماس»، من بينها تأخير دخول بعض السلع والبضائع التجارية، ومواصلة إغلاق معبر رفح في وجه المسافرين والجرحى. وفي محاولة لنزع فتيل هذا الملف، سُمح لأوّل مرّة منذ بدء الهدنة بإدخال فرق مصرية للبحث عن جثامين القتلى الإسرائيليين؛ إذ دخلت إلى القطاع 12 آلية ثقيلة، من بينها «بواجر» وجرّافات، يرافقها فريق مصري وآخر من منظمة «الصليب الأحمر الدولي».

عقد الفريقان لقاءً مع «كتائب القسام» التي سلّمت بدورها إحداثيات وخرائط لجثامين عدد من القتلى، فيما ذكرت قناة «كان» العبرية أن جيش الاحتلال انسحب من مناطق تُجري فيها «حماس» عمليات بحث عن جثث الأسرى في داخل الخط الأصفر، ما يعني، وفق التوصيف الإسرائيلي، أن الحركة نقلت جزءاً من عبء ملفّ الجثامين إلى جهة إقليمية، وسحبت مؤقّتاً ذرائع إسرائيل الراغبة في استغلال تأخّر التسليم لتفجير اتفاق التهدئة، أو حتى تقليص هامش المساحة المتاحة للمساعدات الإنسانية، بما يعرقل الوصول إلى المرحلة الثانية من المخطّط الأميركي. وإزاء التطوّر المذكور، تراجعت حكومة الاحتلال عن إعلانها تقليص دخول شاحنات البضائع والمساعدات إلى القطاع.

بالنتيجة، تقف خطّة ترامب أمام 30 يوماً حاسماً، تتنازعها فيها العشرات من العقبات والإرادات المتناقضة؛ إذ ثمّة ملفات شائكة من شأنها تفجير الموقف برمّته، وأهمّها سلاح المقاومة الذي ترفض الفصائل حتى اللحظة الموافقة على نزعه، من دون تحصيل ثمن سياسي يتمثّل في إقامة الدولة الفلسطينية.

مشاركة المقال: