الإثنين, 27 أكتوبر 2025 01:40 AM

تعديلات المناهج السورية تثير جدلاً حول الهوية والتاريخ: هل تُشوَّه الحقائق الوطنية؟

تعديلات المناهج السورية تثير جدلاً حول الهوية والتاريخ: هل تُشوَّه الحقائق الوطنية؟

أثارت تعديلات في المناهج الدراسية السورية جدلاً واسعاً مع بداية العام الدراسي الجديد، حيث رصدت جهات تربوية وثقافية تغييرات جوهرية في محتوى كتب التاريخ، الأمر الذي أثار استياءً في الأوساط الأكاديمية والثقافية.

وكشفت التعديلات عن إعادة صياغة عدد من المفاهيم التاريخية، من بينها توصيف شهداء السادس من أيار في كتاب التاريخ للصف الثاني الإعدادي بأنهم "متآمرون مع الإنكليز والفرنسيين ضد الدولة العثمانية"، وهو ما اعتبره باحثون "انحرافاً خطيراً يمس الهوية الوطنية".

وأعرب الكاتب السوري أحمد أبازيد عن صدمته بعد تأكده من أن المقطع المتداول حقيقي ومنشور ضمن منهاج وزارة التربية، موضحاً أن "النص يتبنى رواية جمال باشا السفاح نفسه، وليس وجهة نظر موضوعية أو أكاديمية"، وأضاف أن هذا التوجه "يُهين رموز النهضة العربية ويشوّه الوعي الوطني عبر تقديم الرواية العثمانية كحقيقة مطلقة".

وأكد أبازيد أن حذف مصطلح "الثورة العربية الكبرى" واستبداله بكلمة "التمرد" يُمثّل "تشويهاً متعمداً للتاريخ ومسخاً للهوية السورية والعربية"، مشدداً على أن التعديل الأخير "لم يصحّح الأخطاء السابقة، بل أضاف انحيازاً أخطر يسيء للعرب والعثمانيين معاً".

وفي السياق ذاته، قال الشيخ معاذ الخطيب إن "تغيير المناهج لا يلغي الحقائق"، معتبراً أن إعادة تلميع صورة جمال باشا السفاح "تشويه للوعي الوطني ينبغي التصدي له"، مشيراً إلى أن ما يُزرع في عقول الطلاب اليوم هو "تهديد مباشر للهوية السورية".

من جانبها، أكدت وزارة التربية أن التعديلات لا تزال في مرحلتها الأولية، وأن "كل فقرة ستخضع لمراجعة دقيقة من قبل اللجان المتخصصة"، موضحة أن الهدف من العملية هو "بناء منهاج علمي موضوعي يعكس الحقيقة التاريخية ويبتعد عن التوظيف السياسي". كما بررت حذف مادة التربية الوطنية بأنه جاء استجابة لمطالب تربوية تدعو إلى استبدال المواد التعبوية بمحتوى علمي أكثر فاعلية.

ورغم هذه التطمينات، تبقى التساؤلات قائمة حول آلية اعتماد النصوص التاريخية، ودور المؤرخين المتخصصين في مراجعتها، في ظل مخاوف من غياب الرؤية الوطنية الموحدة، ما قد يؤدي إلى إدخال مضامين متناقضة مع الذاكرة الجمعية للسوريين.

ويؤكد باحثون أن الجدل القائم يتجاوز حدود المناهج ليطال مستقبل الهوية الوطنية والوعي الثقافي للأجيال القادمة، إذ لا تمثل المناهج مجرد سرد لأحداث الماضي، بل هي أداة ترسم وعي الطلاب بانتمائهم وتحدد موقع سوريا في سياقها العربي والإقليمي.

ومع استمرار النقاش، تتزايد الدعوات لتشكيل لجنة وطنية علمية مستقلة تراجع المناهج الجديدة وتضمن أن تعكس الرواية السورية الجامعة بعيداً عن أي إملاءات أيديولوجية أو سياسية.

مشاركة المقال: