مرة أخرى، وجدت قناة «الجزيرة» القطرية نفسها في موقف محرج أثناء تغطيتها للعدوان الإسرائيلي على الدوحة، حيث يقع مقرها الرئيسي. يذكر أن القناة واجهت موقفاً مماثلاً قبل أشهر عندما تعرضت الدوحة لقصف إيراني استهدف قاعدة «العديد» الجوية الأميركية، وهي أكبر قاعدة عسكرية أميركية في المنطقة، وذلك رداً على ضربات استهدفت طهران.
لكن صورة «الجزيرة» اهتزت بصورة أكبر بعد قصف إسرائيل لمقر اجتماع قيادة «حماس» في الدوحة. كشفت العملية عن وجود خلل في طريقة تعامل القناة مع الأخبار المحلية التي تحدث على أراضيها. فعلى الرغم من امتلاك القناة مكاتب في مختلف دول العالم ومعرفتها بتفاصيل الأحداث، إلا أنها بدت عاجزة عن تغطية خبر يقع على أرضها، مما أظهر ضعفها في نقل حدث محلي كان من المفترض أن تكون سباقة في شرح تفاصيله.
بدلاً من أن تبدأ «الجزيرة» بثها المباشر فور وقوع الاعتداء الإسرائيلي، نقلت القناة التطورات عن وكالة «رويترز» وموقع «أكسيوس» الأميركي. ثم اعتمدت لاحقاً على الإعلام العبري، وتحديداً القناة 14 الإسرائيلية، التي أكدت أن «الهجوم على قيادة «حماس» في الدولة نُفذ بطائرات مقاتلة»، وكأن الخبر لا يحدث على أرض القناة.
في البداية، نشرت «الجزيرة» على صفحاتها في وسائل التواصل الاجتماعي وعلى خدمة العواجل خبراً عن «رويترز» جاء فيه: «رويترز: سماع دوي عدة انفجارات في العاصمة القطرية الدوحة». تحول الخبر إلى مادة للسخرية، فالقناة التي تنشر أخبار العالم بتفاصيلها، استعانت بـ«رويترز» لنقل حدث قطري محلي.
وبدلاً من التوجه مباشرة إلى موقع القصف القريب من مقرها الرئيسي، وجدت القناة نفسها أمام مشكلة: كيف نغطي خبر قصف العدو على أرضنا؟ وهكذا، تعاملت «الجزيرة» مع اعتداء الدوحة كأنه خبر يحدث في دولة أخرى، فقد تعرضت قطر لانتهاك واضح لسيادتها يستدعي الغضب، لكن «الجزيرة» وقفت مكتوفة الأيدي أمام هذه السابقة.
بعد تأكيد محاولة اغتيال قيادات «حماس» في الدوحة، حاولت القناة تدارك الموقف ففتحت بثها للتحليلات السياسية ووزعت مراسليها على الأرض، من بينهم صهيب العصا الذي رصد المشهد من أقرب نقطة من موقع الاستهداف. ثم قسمت الشاشة إلى تسع كاميرات من بيروت وطهران والدوحة وغزة وغيرها من المدن العربية، للتوقف عند تداعيات الضربة الإسرائيلية. ثم واصلت تغطيتها لنقل وقائع المؤتمر الصحافي لوزير الخارجية القطري محمد بن عبدالرحمن بن جاسم آل ثاني. لكن تغطية «الجزيرة» كانت تشبه تغطياتها للأحداث التي تحصل خارج الدوحة، وفي أي عواصم أخرى تشهد عربدة إسرائيلية.
بالمقارنة مع «التلفزيون العربي»، كانت تغطية خبر «التلفزيون العربي» في الدوحة أفضل حالاً من «الجزيرة»، إذ حاولت المحطة التوقف عند أساسيات الخبر وهو محاولة اغتيال مفاوضي «حماس»، بينما أثبتت تغطية «الجزيرة» التي تملك ميزانية مالية مفتوحة، أنها أضعف القنوات عندما يصل الخبر إلى أرضها.
يذكر أن «الجزيرة» شهدت أخيراً تغييرات في إدارتها، بعد إنهاء مهمات مصطفى سواق كمدير، وتعيين ناصر بن خليفة آل ثاني خلفاً له. كما توجهت الأنظار نحو تداعيات نشر صورة أبو عبيدة ضمن فيلم وثائقي عرضته القناة قبل أشهر. وتُطرح التساؤلات: هل تواجه «الجزيرة» تغييرات إعلامية ستتضح صورتها في الأشهر القليلة المقبلة؟ وهل ستتحول من واجهة إعلامية كشفت جرائم العدو في حرب الإبادة في غزة، إلى قناة مهادنة مع الاحتلال؟