يشهد القطاع الصحي في محافظة دير الزور تدهورًا ملحوظًا نتيجة نقص الدعم وسوء الإدارة، في حين تظهر مبادرات إنسانية محدودة في بعض المناطق، مثل البوكمال، سعيًا لتخفيف معاناة السكان.
واقع صحي متردٍّ
وصف الناشط المحلي مثنى الخرابة الوضع الصحي في دير الزور بأنه "من أسوأ ما يكون"، مؤكدًا أن الحديث عنه "يطول ويطول". وأشار إلى أن بعض المنظمات الدولية أعلنت عن مساعدات طبية كبيرة لم يتم تنفيذها على أرض الواقع.
وقال الخرابة: "منظمة سامز، على سبيل المثال، أعلنت عن تقديم مساعدة عينية تضمنت جهاز رنين مغناطيسي بقيمة ثلاثمائة ألف دولار أمريكي، ومخبر تشريح نسيجي للأورام بتكلفة سبعة وسبعين ألف دولار. ولكن حتى اليوم، لم يصل شيء منها، بل اقتصر الأمر على الإعلان فقط".
وحمّل الخرابة الإدارة المحلية جزءًا كبيرًا من المسؤولية، قائلًا: "حتى لو قدموا الدعم، فالقائمون على الإدارة ليسوا على درجة من الخبرة للتعامل مع الأمر".
وفي المقابل، تجدر الإشارة إلى أن منظمة سامز افتتحت، وبرعاية وزارة الصحة السورية، في آب الماضي، مركز الدم والأورام في مدينة دير الزور، وهو الأول من نوعه في المنطقة الشرقية، لتقديم خدمات مجانية، مؤكدة أنه سيخفف كثيرًا من الأعباء على المرضى.
انتقادات لخدمات الإسعاف
انتقد الخرابة بشدة سياسة توزيع خدمات الإسعاف، موضحًا أن سيارات الإسعاف في دير الزور "لا تُرسل مريضًا إلى دمشق مهما كانت الظروف"، في حين "ترسل المرضى، حتى من غير أهل المنطقة، إلى إدلب عبر سيارات الإسعاف مجانًا، لأجل مشافٍ هناك، وليس لمصلحة أهالي دير الزور".
وأضاف: "ليس من المعقول أن يُقضى جزء بسيط من علاج المريض في دير الزور، ثم يُكمل بقية علاجه في إدلب أو منطقة أخرى مما تسمى بـ (سوريا الجديدة)".
تعاون إنساني في البوكمال
في سياق متصل، عقدت منظمة "أطباء بلا حدود" اجتماعًا مع إدارة منطقة البوكمال لبحث واقع القطاع الصحي والاحتياجات الملحة للسكان، في خطوة تهدف إلى تخفيف الأعباء عن الأهالي وتقديم خدمات طبية نوعية.
وبحسب مدير منطقة البوكمال، عبد الله سلمان الحسين، تشمل خطة المنظمة تقديم خدمات المراقبة الطبية قبل الحمل وأثناءه وعند الولادة، بهدف دعم الأمهات وتوفير رعاية صحية متكاملة لهن ولأطفالهن.
وقال الحسين: "منظمة أطباء بلا حدود قدمت سابقًا مركزًا صحيًا إسعافيًا، وقد خصصته مؤخرًا للتوليد بعد افتتاح مشفى عائشة، ليتسنى لها تقديم خدمة أكثر اختصاصًا وفعالية، كما سمعت منهم".
وأضاف: "في الأيام القادمة، سيقومون بتفعيل العيادات الشاملة على نطاق أوسع، وذلك للتخفيف من عناء الناس في التنقل للحصول على الخدمات الصحية الأساسية".
وأشار الحسين إلى وجود "تنسيق قوي" بين المنظمة والإدارة المحلية، إضافة إلى تعاون مع وزارة الصحة لتقديم مشاريع صحية مستدامة في البوكمال، مؤكدًا أن الكادر الإداري والطبي في هذه المراكز "سيُختار من أبناء مدينة البوكمال".
فجوة بين الإعلان والواقع
رغم هذه الجهود في البوكمال، يظل واقع القطاع الصحي في باقي مناطق دير الزور في حالة يُرثى لها، مع نقص حاد في الكوادر الطبية، والأدوية، والمعدات، والخدمات الأساسية.
ويجمع الأهالي على أن المشكلة لا تقتصر على نقص الدعم الخارجي، بل تمتد إلى ضعف الكفاءة الإدارية، وغياب الشفافية، وسوء توزيع الموارد، ما يعمق الفجوة بين الإعلانات الإعلامية والواقع الميداني.
وقال وزير الصحة، مصعب العلي، خلال حملة "دير العز" مؤخرًا، إن البنية التحتية الصحية في سوريا متدهورة، وفي دير الزور بشكل خاص تعاني من نقص حاد في التجهيزات والمنشآت الطبية. وأوضح أن الوزارة ملتزمة بإعادة تأهيل وتشغيل المستشفيات، مشيرًا إلى أن المحافظة بحاجة ماسة إلى جهاز رنين مغناطيسي وتجهيزات للقسطرة القلبية.
وفي ظل هذا التباين، يبقى سكان دير الزور ينتظرون رؤية استراتيجية موحدة تعيد للقطاع الصحي بعده الإنساني، بعيدًا عن الانتقائية أو المحاصصة، ليصبح الحق في العلاج حقًا مكفولًا للجميع.