صفاء سليمان – اللاذقية
في قريتها بريف جبلة، تستقبل أنسام صباح كل يوم بقلق وخوف متزايد. بينما يلعب أطفالها الثلاثة في فناء المنزل، يراودها شعور بوجود خطر خفي بينهم، فيروس لا يُرى بالعين المجردة ولكنه يترك آثاراً واضحة. ابناها مصابان بالتهاب الكبد الوبائي، وابنتها الصغرى لم تعد تذهب إلى المدرسة خوفاً من العدوى. تعيش قرية رأس العين منذ أشهر في مواجهة شرسة مع هذا المرض الذي انتشر بسرعة بين السكان، ليصل إلى المدارس ويصيب الأطفال والشباب، مما أثار حيرة وقلق الأهالي.
لم يتم تحديد الأسباب الدقيقة لانتشار الفيروس حتى الآن، ولكن نتائج التحاليل المخبرية تشير إلى تلوث مياه الآبار، مما يجعل الشرب منها خطراً على الصحة. أنسام، الموجهة التربوية في مدرسة القرية، صرحت لنورث برس: "لقد سجلنا ٥٠ حالة في المدرسة، وهناك مصابون لم يعلنوا عن مرضهم رغم ظهور الأعراض عليهم. أولادي مصابون وسأبقي ابنتي الصغيرة في المنزل لأنها لا تستطيع حماية نفسها."
وتتوالى الحكايات المؤلمة، حيث تحدثت دلاس الجدي عن ابنتها البالغة من العمر 19 عاماً والتي قضت أربعة أيام في مستشفى تشرين، وقد تحول لون جسدها إلى الأصفر، وتعاني من مشاكل نفسية تمنعها من النوم أو الدراسة.
راميا، أم لأطفال أصيبوا أيضاً، قالت لنورث برس: "في البداية لم نكن نعرف سبب مرض أولادي، فالأعراض تختلف من شخص لآخر، مما أخر التشخيص. قد يكون السبب القمامة أو مياه الآبار الملوثة، ولكننا مضطرون لاستخدامها لأنها الطريقة الوحيدة للحصول على الماء."
الطلاب أنفسهم يعانون بصمت: سلمان الكنج، أحد المصابين، يصف تجربته مع المرض قائلاً: "الدوخة، الاصفرار، القيء، وفقدان الشهية جعلتنا عاجزين عن الحركة. العلاج قاسٍ وأيام المرض كانت طويلة جداً."
صفاء الرحي، معلمة اللغة الفرنسية في المدرسة، تلخص الوضع بقلق وتقول لنورث برس: "أطفالنا مصابون نتيجة مخالطتهم لبعضهم البعض. الإجراءات المتخذة مثل إغلاق المدارس لمدة أسبوع واحد غير كافية، فالمرض قد يكون انتقل بالفعل إلى آخرين قبل اكتشاف الحالات."
اليوم، تعيش قرية رأس العين صراعاً مزدوجاً: مواجهة الفيروس، ومحاولة الحفاظ على سير الحياة اليومية. السكان والمعلمون والصحة العامة يدركون أن الحل يكمن في الوعي، والتحليل والفحص المستمر، والتعاون بين الجميع لتحديد السبب وإيقاف انتشار هذا المرض قبل أن يتحول إلى مأساة أكبر.
تحرير: معاذ الحمد