أظهر تقرير للاستخبارات الألمانية الداخلية ارتفاع عدد المتطرفين اليمينيين واليساريين في ألمانيا عام 2024، مع تزايد ملحوظ في انخراط فئات شابة. رغم ذلك، يستبعد وزير الداخلية ألكسندر دوبريندت حظر حزب “البديل من أجل ألمانيا”.
مضى على تولي وزير الداخلية الألماني الاتحادي الجديد ألكسندر دوبريندت (من الحزب المسيحي الاجتماعي البافاري) لمنصبه خمسة أسابيع بالضبط يوم الثلاثاء، ولكنه يعلم أنَّه يشارك في حكم بلد يزداد الاستقطاب في مجتمعه أكثر، ويصبح فيه التطرف أكثر قوة.
وفي بداية مؤتمره الصحفي حول تقرير المكتب الاتحادي لحماية الدستور لعام 2024، عرض أمام الكاميرات رسمًا بيانيًا يُبيّن مدى زيادة احتمال وجود أشخاص يُصرّحون بأفكار يمينية متطرفة في ألمانيا. وأوضح سياسي الحزب المسيحي الاجتماعي أنَّ عددهم كان قبل عشر سنين نحو 20 ألف شخص، ولكن هذا العدد تضاعف منذ ذلك الحين إلى أكثر من الضعف.
وذكر دوبريندت أنَّ “عدد المتطرفين اليمينيين المحتمل في ألمانيا ارتفع ارتفاعًا ملحوظًا في عام 2024 بنحو الخمس – من نحو أكثر من 40 ألف شخص إلى أكثر من 50 ألف شخص الآن. وهذا عدد مثير للخوف. فهذه أول مرة يتجاوز فيها عدد المتطرفين اليمينيين في ألمانيا عتبة الـ50 ألف شخص”.
وأضاف دوبريندت أنَّ هذا العدد مُتوقَّع، ولكنه يمثّل نقطة تحول، لا سيما وأنَّ جهاز الاستخبارات الداخلية يُقدّر أنَّ نحو 14500 شخص منهم مستعدون لاستخدام العنف.
وضمن هذا السياق تصدَّر في الآونة الأخيرة هذا الخبر العناوين الرئيسية: في منتصف أيار/مايو، أمر مكتب المدعي العام الاتحادي باعتقال خمسة أعضاء من جماعة “موجة الدفاع الأخيرة” الإرهابية اليمينية المتطرفة. وفي خمس ولايات ألمانية داهم الأمن هذه الجماعة، التي يعتقد الخبراء أنَّها – على الأقل حاليًا – الجماعة الأكثر تطرفًا بين الجماعات اليمينية المتطرفة في ألمانيا. وأصغر أعضائها المعتقلين قاصر عمره 14 عامًا. ومن المفترض أنَّ هذه الجماعة خططت لأعمال من بينها القيام بهجمات على مراكز إيواء اللاجئين.
وبحسب الوزير ألكسندر دوبريندت فإنَّ نمط “تطرّف الشباب السريع وإصرارهم على العمل” لا يقتصر على المشهد اليميني المتطرف. فكل يوم تقريبًا يتم تسجيل هجمات على الدولة، كما قال الوزير. وتقوم مثلًا جهات روسية بنشر معلومات مضللة وتشن هجمات سيبرانية بأعداد ترتفع باستمرار. وقد أصبح ذلك ملحوظًا منذ بداية الحرب العدوانية على أوكرانيا في ربيع عام 2022. وهذه الجهات الخارجية كثيرًا ما تستخدم في ذلك أيضًا الشباب الألمان.
وكما أوضح سنان سيلين، نائب رئيس أعلى هيئة لحماية الدستور في ألمانيا، فإنَّ هؤلاء الشباب يُطلق عليهم لدى الخبراء اسم “عملاء بمستوى منخفض”. كما أنَّ أعدادهم ترتفع بسرعة: “هؤلاء أشخاص شباب أعمارهم صغيرة جدًا، وهذا يثير قلقنا بشكل خاص، لأنَّهم لم يتشكلون أيديولوجيًا خلال فترة طويلة من الزمن، بل يتطرفون بسرعة كبيرة جدًا ولديهم استعداد للانتقال إلى العمل بسرعة كبيرة جدًا”.
وأضاف الوزير أنَّ الصين أيضًا تزيد باستمرار تجسسها، الذي يستهدف بشكل خلص الاقتصاد الألماني. وكذلك ارتفع عدد المتطرفين اليساريين، حتى وإن كان بشكل قليل فقط: من 37 ألفًا إلى 38 ألفًا.
وبعد فترة طويلة من ركودها النسبي، زادت أيضًا من جديد في ألمانيا نشاطات الإسلام السياسي المستعد لاستخدام العنف. وتُقدّر أجهزة الاستخبارات الداخلية الآن عدد الإسلامويين المحتملين في ألمانيا بنحو 28 ألف شخص، منهم نحو 10 آلاف مُستعدّون لاستخدام العنف. وكذلك أظهر التقرير أنَّ هناك ميليشيات إرهابية إسلاموية من الخارج، مثل حماس وحزب الله، تُجنّد غالبًا الشباب. وأنَّ تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) عاد نشاطه بشكل خاص إلى ألمانيا منذ بدء حرب غزة بعد هجوم حماس على إسرائيل في تشرين الأول/أكتوبر 2023.
وحول ذلك قال سنان سيلين: “لقد نجح داعش في استغلال موضوع الشرق الأوسط وفلسطين ودمجهم في تطرّفه ورواياته والتأثير بذلك على الشباب”.
ولكن على العموم يبقى التطرف اليميني أخطر مشكلة حاليًا في ألمانيا، كما قال الوزير دوبريندت. وأضاف أنَّ نحو 20 ألف شخص يُعتبرون متطرفين يمينيين بشكل علني هم أعضاء في حزب “البديل من أجل ألمانيا” الممثَّل في البوندستاغ (البرلمان) والذي يعد أقوى حزب معارض.
ويذكر أنَّ المكتب الاتحادي لحماية الدستور نفسه صنَّف هذا الحزب مؤخرًا على أنَّه يميني متطرف بشكل مؤكد، ولكنه لم يعد يستخدم هذا الوصف بعد لجوء حزب البديل من أجل ألمانيا إلى القضاء ضده.
ومع ذلك لم يسلم دوبريندت في ذلك اليوم في برلين من السؤال عما إن كان يجب حظر حزب البديل من أجل ألمانيا. ويرى المنتقدون أنَّ حظر حزب البديل سيكون مضيعة للوقت، ومعقدًا للغاية، ومن دون أي أمل مؤكد في النجاح أمام أعلى محكمة في ألمانيا، المحكمة الدستورية الاتحادية في كارلسروه.
وبإمكان جهات من بينها الحكومة الاتحادية نفسها تقديم مثل هذا الطلب، ولكن دوبريندت لا يؤيد ذلك ويقول: “لم أدع مجالًا للشك في أنَّ حزب البديل من أجل ألمانيا يعتبر في رأيي حزبًا يمينيًا متطرفًا بالتأكيد. وأعتقد أنَّ العمل الصحيح هو مواجهة حزب البديل من أجل ألمانيا سياسيًا. والعمل من أجل إبعاده عن الوسط السياسي. وهذا يعني حل المشكلات في ألمانيا”.
وإبعاد حزب البديل من أجل ألمانيا: عمل لم تنجح في تحقيقه الأحزاب الرئيسية منذ تأسيس حزب البديل في عام 2013، والذي أصبح بدلًا من ذلك متطرفًا بشكل متزايد وزادت شعبيته بين الناخبين. (DW)