الخميس, 5 يونيو 2025 05:50 AM

تمكين المرأة العربية بالتكنولوجيا: مبادرات مستدامة تحقق الاكتفاء الذاتي

تمكين المرأة العربية بالتكنولوجيا: مبادرات مستدامة تحقق الاكتفاء الذاتي

لا تُقاس فاعلية أي مشروع تنموي بمدى سرعته أو حجمه، بل بقدرته على الاستمرار والتكيّف. مشاريع كثيرة تنهض ثم تتعثر، لا بسبب نقص في الموارد، بل لغياب رؤية تدمج البعد الاجتماعي مع الاستخدام الذكيّ للتقنية. في المقابل، باتت بعض المجتمعات تبني تجارب ناجحة من خلال مزاوجة التكنولوجيا بالتنمية، مما أعاد تعريف مفهوم الاستدامة كقضية تقنية بقدر ما هي اقتصادية.

في هذا السياق، وخلال مقابلة أجرتها “النهار” مع المهندسة مرام خريسات، التي عملت على مشاريع تنموية في بيئات محلية، أكدت أن التكنولوجيا باتت تلعب دوراً محوريًا في دعم الاستدامة، خصوصًا من خلال أدوات منخفضة الكلفة ومرتفعة الأثر.

عندما تصبح التكنولوجيا عنصراً في معادلة العدالة الاقتصادية ترى خريسات أن الاستدامة لم تعد مسألة بيئية أو تنظيمية فقط، بل أصبحت ممكنة تقنيًا، وضرورية اقتصاديًا. وأضافت:

“الاستثمار في بناء قدرات النساء –سواء من خلال التدريب على المهارات الرقمية، أو من خلال تعزيز حضورهن في مواقع القيادة، أو دعم مشاريع صغيرة صديقة للبيئة– لا يسهم فقط في تحسين ظروفهن المعيشية، بل في تحفيز الدورة الاقتصادية للمجتمع بأكمله، بشكل مستدام وعادل”.

وتشير إلى أن الاستخدام الواعي للتكنولوجيا يفتح المجال أمام نماذج اقتصادية أكثر كفاءة، مثل تقنيات الريّ الذكيّ، الطاقة المتجدّدة، أو إدارة الموارد عبر تطبيقات بسيطة. وتضيف: “التقنية ليست امتيازاً للدول المتقدّمة فقط. أدوات بسيطة ومنخفضة التكلفة يمكن أن تغيّر قواعد اللعبة في المجتمعات المحلية، إذا تم استخدامها بشكل مدروس”.

الزراعة الهوائية: تقنية في قلب نموذج استدامة أردني ضمن حديثها، أشارت خريسات إلى مشروع “زعفرانكم”، الذي تقوده المهندسة الزراعية منى الصياح، كمثال على دمج التكنولوجيا في الزراعة لتحقيق أثر تنمويّ ملموس. المشروع بدأ بزراعة الزعفران في ناعور، لكن محدودية الموارد دفعت الصياح إلى البحث عن بدائل حديثة.

باستخدام تقنية الزراعة الهوائية (Aeroponics)، وهي أسلوب زراعي يعتمد على تغذية الجذور برذاذ مغذٍّ من دون تربة، أسّست منى وحدة إنتاج في بدر الجديدة، فضاعفت من خلالها كفاءة الإنتاج باستخدام كمية أقلّ من المياه والمساحة.

“رحلتي مع الزعفران كانت رحلة في البحث عن حلّ تكنولوجيّ يحلّ مشكلات واقعية. لم يكن الابتكار هدفًا بحدّ ذاته، بل وسيلة لضمان استدامة المشروع”، تقول منى.

إلى جانب الجانب الإنتاجي، تعمل منى على نقل هذه المعرفة للمزارعين من خلال جمعية “بيئتي للتنمية المستدامة”، حيث تدرب الشباب على الزراعة الحديثة وتطبيقاتها التقنية.

التحول الرقمي المجتمعي: فرص محلية بحلول تقنية تؤمن خريسات بأن استيعاب التكنولوجيا لا يعني فقط استخدام أدوات جديدة، بل تبنّي منطق مختلف في بناء الاقتصاد: “لدينا فرص كبيرة في الاقتصاد الرقمي الصغير، والطاقة اللامركزية، والتعليم المهني المبني على أدوات رقمية. المطلوب فقط هو تصميم هذه الحلول محليًا، لا استيرادها كمنتج جاهز”.

التحول الرقمي، بحسب خريسات، لا يقتصر على المؤسسات الكبرى. بل يمكن تطبيقه في المشروعات متناهية الصغر، مثل:

  • منصات إلكترونية لتسويق المنتجات الزراعية
  • أنظمة محلية لرصد جودة التربة والري
  • وحدات طاقة شمسية لإنتاج مستقل للكهرباء.

بين مشروع زراعيّ يعتمد على الزراعة الهوائية، ومبادرات لتمكين النساء عبر التدريب الرقميّ، تتضح صورة جديدة للاستدامة: استدامة قائمة على التقنية، لكنها مشروطة بالإدماج الاجتماعي.

إن ربط التكنولوجيا بالاحتياجات الواقعية هو ما يجعل التحول الرقمي أداة تغيير لا ترفاً تنظيمياً. وحين تُبنى المشاريع على هذا الأساس، فإنها لا تحتاج إلى دعم دائم، بل تستمد قوتها من منطقها، ومن استجاباتها الذكية للبيئة المحيطة.

مشاركة المقال: