الإثنين, 12 مايو 2025 05:35 PM

توتر في العلاقات الأمريكية الإسرائيلية: هل تضع سياسة 'أمريكا أولاً' نهاية للتحالف الاستراتيجي؟

توتر في العلاقات الأمريكية الإسرائيلية: هل تضع سياسة 'أمريكا أولاً' نهاية للتحالف الاستراتيجي؟

في ظل التطورات الإقليمية المتسارعة في الشرق الأوسط وتباين المواقف الأميركية – الإسرائيلية تجاه الحرب في غزة والملف النووي الإيراني والاتفاق مع الحوثيين، تشهد العلاقات بين واشنطن وتل أبيب توتراً ملحوظاً بعد عقود من التحالف الاستراتيجي وبدأت الخلافات بين الطرفين تظهر إلى العلن.

وتسود حالة من الإحباط في إسرائيل من سياسات الرئيس الأميركي دونالد ترامب غير المستقرة، وفقاَ للإعلام العبري. ترافق ذلك، مع تصريح ترامب للصحافيين في البيت الأبيض أنه لا يخطط لزيارة إسرائيل في ختام جولته بالمنطقة التي تشمل السعودية وقطر والإمارات. ولم يؤكد البيت الأبيض قط أن إسرائيل ستكون جزءاً من جولة ترامب القادمة.

ووسط مؤشرات على تصاعد التوتر بين واشنطن وتل أبيب، حذّر مسؤول أميركي رفيع من أن الولايات المتحدة “لن تنتظر إسرائيل بعد الآن”، مؤكداً أن ترامب عازم على المضي قدماً في صفقة استراتيجية كبرى مع السعودية حتى بدون مشاركة إسرائيلية. كما كشفت وسائل إعلام عبرية أن وزير الدفاع الأميركي ألغى زيارة كانت مقررة إلى إسرائيل الأسبوع المقبل.

وذكرت “يسرائيل هيوم” أن ترامب بات يتعمد تهميش رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لإعادته للمسار الصحيح. ونقلت الصحيفة عن مصادر دون تسميتها أن “ثمة انخفاضا في العلاقات الشخصية وخيبة أمل متبادلة بين نتنياهو وترامب”.

كما ذكرت إذاعة الجيش الإسرائيلي أن ترامب قرّر قطع الاتصال مع نتنياهو وأن مسؤولين أميركيين أبلغوا الوزير الإسرائيلي رون ديرمر أن ترامب يرفض تلاعب نتنياهو به، وذلك بعد تواصله مع نواب جمهوريين لإحباط الاتفاق مع إيران.

فما هي الأسباب والدلالات لعدم شمول زيارة ترامب للمنطقة إسرائيل، وما علاقة ملف غزة والتقارب الأميركي – الايراني والاتفاق مع الحوثيين بذلك وإلى أين تتّجه العلاقات بيت البلدين الحليفين؟

في هذا الإطار، يسلّط الكاتب والمحلل السياسي خليل شاهين، في مقابلة مع “النهار”، الضوء على هذه التحولات بالعلاقة الأميركية – الإسرائيلية وأبرز أسباب التوتر بين البلدين وخلفيّاته.

ويقول شاهين: “بالمعنى التاريخي يمكن القول إن العلاقات الأميركية – الإسرائيلية قامت على أساس الترابط بين مصالح الطرفين في منطقة الشرق الأوسط وربما أيضا في أماكن أخرى من العالم. بمعنى أن الولايات المتحدة كانت تتعامل مع المصالح والسياسات الإسرائيلية باعتبارها أحد مكونات السياسة الخارجية للولايات المتحدة”.

ويضيف: “وشهدنا تجليات واضحة لهذا الامر في عدة مراحل بما في ذلك تدخّل واشنطن عسكرياً لتوفير مظلة دفاع وحماية لإسرائيل من هجمات وتهديدات خارجية سواء كانت من إيران أو اليمن وغيرها، كذلك التدخل بتوفير ما تحتاجه إسرائيل من أسلحة وذخائر لشنّ حروبها في غزة أو لبنان، ومواجهة أي تهديدات مستقبلية محتملة فيما يتعلّق بالصراع الإسرائيلي – الإيراني”.

ويتابع: “لكن هناك تحوّل في السياسة الاميركية في عهد إدارة ترامب الحالية، يقوم على أساس فكّ الإرتباط الذي كان قائماً ما بين المصالح الأميركية والإسرائيلية وخاصة في منطقة الشرق الأوسط، ولا يعني ذلك تجاهل مصالح الطرفين ولكن يعني بشكل أساسي أن الولايات المتحدة تحديداً ترامب يعطي الأولوية للمصالح الأميركية عندما يكون عليه أن يفاضل ما بين المصلحة الإسرائيلية والمصلحة الأميركية، وهي إحدى الميزات الشخصية لسياسات ترامب أي ميله وانحيازه الى شعاره أميركا أولاً”.

ويلفت شاهين الى أن “هناك عوامل تدفع ترامب خلال زيارته للشرق الأوسط الى تغليب المصلحة الأميركية، لاسيما في ضوء الحرب التجارية التي يشنّها في أكثر من اتجاه في العالم والتي كانت تأثيراتها واضحة على جيب المواطن الأميركي، ولذلك هو معني بشكل أساسي في تحقيق نتائج سريعة تؤثّر على الإقتصاد الأميركي وتحقّق قدراً من الإنتعاش وتمنع حدوث المزيد من التضخّم في الولايات المتحدة. وهذا الأمر متاح من خلال ضخ إستثمارات سريعة من دول الخليج العربي”.

ويوضح “لذلك نشهد أن التوجّه الأميركي الآن هو التركز على الدول العربية الثلاث الإمارات والسعودية وقطر بشكل أساسي دون أن تربط هذه الزيارة مع تحقيق مصالح إسرائيلية لاسيما أن هناك تبايناً في المواقف الأميركية والإسرائيلية إزاء عدد من الملفات التي من شأنها أن تعكّر أجواء زيارة ترامب”.

ويذكر شاهين أن “الملف الأول هو التطبيع، خصوصاً أن ترامب أعطى الأولوية خلال ولايته الأولى للتطبيع بين إسرائيل والسعودية بما يفتح المجال أيضاً لطرق أبواب عواصم عربية وإسلامية أخرى لتحذو حذو السعودية”. ويؤكد أنه “ما بعد السابع من تشرين الاول/أكتوبر تغيّرت أولويات السياسة الإسرائيلية ذاتها، إذ يبدو أن إسرائيل غير مستعدة لتقديم أي تنازل فيما يتعلّق بالملف الفلسطيني، ليس فقط فيما يتعلّق بأهداف حربها في قطاع غزة، بل حتى فيما يتعلّق بمستقبل علاقتها بالسلطة الفلسطينية، وبالتالي رفضها لأي مفاوضات سياسية مع الجانب الفلسطيني على أساس حلّ الدولتين بما يؤدّي الى قيام دولة فلسطينية مسستقلّة. وهو الموقف الذي لا تزال السعودية تتمسّك به بشكل أساسي كشرط لأي علاقات ديبلوماسية معلنة مع إسرائيل”.

ويردف: “لذلك وفي ضوء الموقف الإسرائيلي الحالي، لا يوجد ما يمكن أن يكون مطروحاً على طاولة المباحثات بين ترامب والمسؤولين السعوديين خلال زيارته المرتقبة لأن إسرائيل لا تزال متمسّكة بمواقف تعرقل التطبيع في مجالين مهمين للسعودية. الأول أن يكون هناك أفقاً سياساً يفتح المجال للعودة الى المفاوضات على أساس حلّ الدولتين والجانب الآخر المتعلّق بحرب الإبادة المستمرة في قطاع غزة ودفع إسرائيل باتجاه تحقيق الهدف الأشمل إذا استطاعت ذلك وهو تهجير أهالي غزة من القطاع فضلاً عن ما تقوم به من عمليات توسيع للضمّ والإستيطان وتغيير الخارطة الديموغرافية في الضفة الغربية”.

ويضيف: “هذا ليس كل شيء بالنسبة الى السعودية التي لديها مطالب ومخاوف أخرى تتعلّق بالمفاوضات الأميركية – الإيرانية، ومصالح تتعلّق بتطورات الأوضاع في لبنان وضرورة أن يكون هناك حالة من الإستقرار وهذا الأمر يتطلب وقف الإنتهاكات الإسرائيلية المتواصلة والتي تجاوزت الـ3 آلاف خرقاً منذ توقيع وقف إطلاق النار، كذلك الأمر ضرورة خلق حالة من الاستقرار للمرحلة الإنتقالية في سوريا، إضافة الى الموضوع اليمني”.

ويشير الى أنه “الى جانب التطبيع نشهد افتراقاً في المواقف بين أميركا وإسرائيل تتعلّق على الأقل بخمس ملفات أخرى، فنّدها شاهين على الشكل الآتي: الملف الأول الذي فوجئت به إسرائيل هو المفاوضات غير المباشرة بين الولايات المتحدة وإيران فيما يتعلّق بالبرنامج النووي والقلق الإسرائيلي من أن ترامب قد يدفع باتجاه صفقة كبرى مع إيران تمكّنها من الإحتفاظ ببرنامج نووي سلمي، بما في ذلك الإستمرار في تخصيب اليورانيوم بمعدلات متّفق عليها أي تجديد الاتفاق النووي السابق وهذا يناقض الموقف الإسرائيلي الذي لا يريد أن تكون هناك أي قدرات نووية لإيران ويطرح النموذج الليبي باعتباره الهدف المنشود فيما يتعلّق بأفق البرنامج النووي الإيراني”.

ويضيف شاهين: “ملف الخلاف الثاني يتمثل بما تقوم به إسرائيل في لبنان إذ أنها تواصل السيطرة المباشرة عبر احتلال بعض النقاط واستمرار عمليات القصف والإغتيال، بالتالي هي تشوّش على كل ما يجري رغم الشوط الذي تم قطعه فيما يتعلّق بانتخابات الرئاسة وتشكيل حكومة جديدة”. ويشدد على أن “إسرائيل لا تقول كل ما تضمره فيما يتعلّق في لبنان وأن هدفها ليس فقط نزع سلاح حزب الله (جنوب اليطاني)، إنما نزع السلاح من كامل الاراضي اللبنانية”.

ويتابع: “الملف الثالث هو سوريا، فإسرائيل تقوم باحتلال مباشر لأجزاء واسعة من سوريا، إضافة الى منطقة نفوذ تمتد الى مشارف دمشق، مع استمرار عمليات القصف الذي تقوم به ليس فقط باستهداف مقرات أو مواقع تابعة للنظام السابق، بل وكذلك لضرب فرص بناء قوة عسكرية للجيش السوري الجديد. بالتوازي مع ذلك ثمة قلق إسرائيلي من أن الولايات المتحدة تريد لإسرائيل أن تهدئ الوضع وقد تذهب إدارة ترامب لمقايضة أو صفقة مع تركيا تحفظ للجانب التركي قدَر من النفوذ الذي يريده أردوغان في سوريا”.

في الملف الرابع، يقول شاهين: “الملف الآخر الذي فاجأ إسرائيل هو الاتفاق المفاجئ على وقف إطلاق نار ثنائي متبادل بين إدارة ترامب وجماعة الحوثيين في اليمن، في وقت بدأت فيه إسرائيل بسلسلة من الردود على الحوثيين من خلال عمليات القصف التي شهدناها”.

أما الملف الخامس فيتعلق بقطاع غزة، بحسب شاهين الذي يؤكد أنه سيكون حاضراً خلال جولة ترامب على الدول العربية الثلاث التي سيزورها، و”السقف الذي يمكن أن يطرح في هذه العواصم هو ضرورة أن تلعب واشنطن دوراً ضاغطاً على إسرائيل من أجل وقف الحرب والإنسحاب من غزة وتمكين نشوء إدارة فلسطينية لإدارة القطاع فيما يعرف باليوم التالي لوقف القتال في غزة، وهي قضايا ترفضها إسرائيل. ويمكن أن يضاف الى الملف الخامس التصعيد الذي تشهده الضفة الغربية والضغوط المالية والإقتصادية التي تمارسها إسرائيل على السلطة الفلسطينية مما يشكّل مصدر قلق للعواصم العربية”، يقول شاهين.

وبحسب شاهين “في حال زيارة ترامب لإسرائيل في ظل وجود مثل هذه الخلافات، قد يشكّل ذلك عامل ضاغط أو معرقل أو مشوّش على أهداف الزيارة التي تركّز بالأساس على البعد الإقتصادي (الإستثمارات ومبيعات الأسلحة الأميركية للسعودية، بما في ذلك إمكانية منحها طائرات “أف 35″ ومساعدتها في إنشاء برنامج نووي سلمي. لذلك فإن مساحات التوافق في هذه الملفات التي ستكون حاضرة في حال زيارة ترامب لإسرائيل ضيّقة، ووجدنا ترجمة ذلك في المواقف التي سمعناها بأنه لن يكون هناك جدوى لزيارة ترامب لإسرائيل في جولته الحالية”.

ويذكّر بأن “الإعلام الإسرائيلي يتحدّث عن لقاء خاص بين ترامب ورون ديرمر وزير الشؤون الإستراتيجية الإسرائيلية، المقرّب من بنيامين نتنياهو في زيارته الى واشنطن. وعلى ما يبدو فإن إسرائيل لا تريد مفاجآت من قبل ترامب في أي من هذه الملفات”، وفقاً لشاهين.

أما عن اتجاه العلاقات الأميركية الإسرائيلية فيقول: “من المبكر الحديث عن إمكانية حدوث انقلاب في توجهات السياسة الأميركية تجاه إسرائيل، إذ أن العلاقة بين الطرفين هي علاقة إستراتيجية. وأعتقد أن فكّ الإرتباط بين السياستين الأميركية والإسرائيلية في بعض الملفات في الشرق الأوسط لا يعني تجاهل المصالح الإسرائيلية بل تبنّي مقاربة مغايرة تقوم على دعم المصالح الإسرائيلية، لكن مع عدم إعاقة تقدّم السياسة الأميركية عندما يحدث خلاف في مصالح البلدين”.

وفي الختام، يستشهد شاهين بقول محلل إسرائيلي يرى أنه “من الصعب أن نتحدث عن وجود تناقض في السياسات الأميركية – الإسرائيلية في الشرق الأوسط، ولكن ما نستطيع قوله إن الولايات المتحدة أصبحت تسبق إسرائيل وأن إسرائيل متخلّفة خطوة أو أكثر وراء الحراك الأميركي في منطقة الشرق الاوسط “.

ويشير شاهين الى أن “هذا ما سمعناه أيضاً في تصريحات نقلاً عن مسؤولين أميركيين بأن “الولايات المتحدة لن تنتظر إسرائيل طويلا سواء فيما يتعلق في قطاع غزة وغيرها وأنها ستتقدّم الى الأمام وعلى إسرائيل أن تلحق بها. لذا ما نشهده عملياً هو وتيرة التحرّك الاميركي من جهة والإسرائيلي من جهة وهو عامل مزعج لإسرائيل ويزيد الضغط على نتنياهو ويدفعه للموافقة على ما يطرحه ترامب أو على الاقل عدم معارضته علناً”.

وفي ضوء هذا التباين الواضح بين واشنطن وتل أبيب، يبدو أن التحالف بين البلدين لم يعد محصّناً من المتغيرات الجيوسياسية والمصالح المستجدّة. فبين الأولويات الاقتصادية الضاغطة والانفتاح على تسويات إقليمية يبقى السؤال: هل تستطيع تل أبيب التكيّف مع سياسة “أميركا أولاً”؟

مشاركة المقال: