الخميس, 15 مايو 2025 12:21 AM

جامعة دمشق تطلق ورشة عمل موسعة حول العدالة الانتقالية في سوريا: خبراء وقانونيون يبحثون التحديات والآفاق

أطلقت كلية الحقوق بجامعة دمشق ورشة عمل بعنوان "العدالة الانتقالية في سوريا: آفاق وتحديات"، في مركز رضا سعيد للمؤتمرات. شارك في الورشة وزيرا التعليم العالي والبحث العلمي، والعدل، بالإضافة إلى قضاة ومحامين وباحثين مختصين، بهدف تعزيز الفهم القانوني للعدالة الانتقالية.

يناقش المشاركون على مدى يومين تجارب دول أخرى في العدالة الانتقالية، ودور المنظمات الدولية في تعزيز هذا المسار في سوريا، وحقوق الضحايا، ومواءمة الآليات الدولية مع المسار الوطني للعدالة الانتقالية، بهدف الوصول إلى خارطة طريق لتطبيقها في سوريا.

تركزت مداخلات المشاركين حول أهمية إحداث هيئة للعدالة الانتقالية ودراسة معاييرها والوقت الأنسب لها، وإصدار قانون خاص للتعويض، وتجنب تكرار الأخطاء السابقة، ومعالجة الخطاب الجمعي، وموضوع الثواب والعقاب، والاستفادة من تجارب دول مثل كولومبيا، والتأكيد على أن تحقيق العدالة الانتقالية يحتاج لمشاركة جميع السوريين.

أكد وزير التعليم العالي والبحث العلمي أن العدالة الانتقالية، بما تحمله من قيم إنصاف ومصالحة، تمثل أحد الأعمدة الأساسية لبناء مستقبل مستقر لسوريا، قائم على سيادة القانون، واحترام حقوق الإنسان، وتعزيز الوحدة الوطنية. وأشار إلى أن الجامعة منبر للعلم ومساحة للحوار، وللإسهام الفاعل في معالجة قضايا الوطن ومواجهة تحدياته.

كما أشار إلى أن الورشة تشكل فرصة مهمة لبحث السبل الكفيلة بتحقيق عدالة انتقالية تعيد للضحايا حقوقهم، وترسخ ثقافة المساءلة والمصالحة، وتمهد للتعايش الوطني والتنمية المستدامة، مؤكداً التزام الوزارة بدعم البحوث والدراسات التي تتناول العدالة الانتقالية من جوانبها المختلفة القانونية، والاجتماعية والنفسية والسياسية، وتشجيع الأكاديميين على الإسهام في هذا الحقل المعرفي الحيوي الذي يرتبط بمستقبل البلاد واستقرارها.

من جانبه، لفت وزير العدل إلى أن سوريا الجديدة ترتكز اليوم على أسس راسخة من العدل والحق، مشيراً إلى أن العدالة الانتقالية ليست مجرد مفهوم قانوني، بل تجسيد لإرادة الدولة السورية في تحقيق العدالة، وتضميد جراح الماضي الأليم، مؤكداً السعي إلى بناء مستقبل يتسع للجميع، ويعزز الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة على أساس المواطنة.

أعرب وزير العدل عن الانفتاح على كل الآراء البناءة التي تخدم هذا الإطار، لأن العدالة الانتقالية حق قانوني وواجب وطني وأخلاقي يتطلب تضافر جهود مؤسسات الدولة والمجتمع المدني والمنظمات الإنسانية، مشيراً إلى التطلع لانطلاقة هذا المسار في أقرب فرصة، كما وعد بذلك الرئيس.

واعتبر رئيس جامعة دمشق أن تحقيق العدالة الانتقالية هو السبيل الوحيد الذي يضمن تحقيق العدالة والإنصاف للضحايا، ويفتح الطريق لتحقيق المصالحة الوطنية التي نصبو إليها جميعاً، لافتاً إلى أهمية الورشة في اجتراح حلول مناسبة، ووضع العدالة الانتقالية على المسار الصحيح، بما يرقى لمستوى تضحيات الشعب السوري.

أوضح عميد كلية الحقوق في جامعة دمشق أن الورشة تضم خبراء وأشخاصاً من دول قاموا بممارسات واقعية في إطار العدالة الانتقالية للاستفادة من تجاربهم وخبرتهم، لافتاً إلى أنه تم إعداد برنامج شامل حول هذا الموضوع.

تناولت الجلسة الأولى تجارب دول في العدالة الانتقالية، حيث استعرض سفير جنوب إفريقيا في سوريا ولبنان تجربة بلاده في العدالة الانتقالية في ظل نظام الفصل العنصري، مشيراً إلى أن سوريا بحاجة إلى الاستقلالية وعدم الانحياز وحماية جميع الأشخاص وفق حقوق الانسان والتساوي أمام القانون وحصر السلاح بيد الدولة وإصدار عفو وتشكيل لجان للدستور والحقيقة والمصالحة لإنصاف الضحايا.

واستعرضت القائمة بأعمال السفارة النرويجية في سوريا تجربة بلادها، وبينت أهمية إجراء حوار وتأسيس جلسات لتحقيق العدالة الانتقالية في سوريا، معربة عن استمرار دعم بلادها للحكومة والشعب السوري.

وقدمت نائبة رئيس قسم السلام والمصالحة في وزارة الخارجية النرويجية تجربة كولومبيا في العدالة الانتقالية، مبينةً أنها قضية جوهرية لسوريا التي يمكنها التعلّم من التجارب بما يتناسب مع خصوصيتها، والاستفادة من الأخطاء كونها ضماناً للاستقرار والمصالحة والسلام وتقلّص عمليات الانتقام.

وخلال عرض لمنظمة Pro-Mediation، أشار إلى أن العدالة الانتقالية في سوريا ترتكز على خمسة مبادئ، هي: كشف الحقيقة، وإصلاح المؤسسات وخاصة الأمنية والقضائية، والمساءلة والمحاسبة، والتعويضات أو رد الاعتبار أو جبر الضرر الفردي والجماعي، وتخليد وإحياء ذكرى الضحايا، كما استعرض تجربة دول تونس، المغرب، تشيلي، الأرجنتين، والبوسنة والهرسك في العدالة الانتقالية.

تناولت الجلسة الثانية دور المنظمات الدولية في تعزيز مسار العدالة الانتقالية في سوريا، حيث تركزت مداخلة نائبة رئيس بعثة المفوضية السامية لشؤون اللاجئين على العلاقة بين العدالة الانتقالية وقضايا اللجوء وأهميتها في مجال عودة النازحين واللاجئين إلى سوريا.

ومن المفوضية السامية لحقوق الإنسان، لفت إلى دور وعمل مكتب المفوضية في دعم مسار العدالة الانتقالية في سوريا، ونقل التجارب السابقة وكيفية دعم لجنة العدالة الانتقالية التي ستتشكل قريباً، والعمل على دعم المجتمع المدني للتعاون مع اللجنة الجديدة.

وأشار مدير مكتب مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا إلى أهمية المرحلة الانتقالية كونها أساس السلم الأهلي، ونجاح المشروع السياسي وبناء الدولة، لافتا إلى دور الأمم المتحدة في دعم الحكومة السورية والجهات التي ستكون مسؤولة عن العدالة الانتقالية.

وتحدث رئيس بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر في سوريا عن الأشخاص المفقودين، لافتاً إلى أن اللجنة الدولية للصليب الأحمر ستناقش ما يمكن أن تقوم بفعله لتقدم أجوبة لعائلاتهم، مؤكداً أنه سيتم اقتراح حلول لتقديم بعض الدعم لهذه العائلات ودعمها ومساعدتها في الطب الشرعي، ونفسياً، واجتماعياً، وقانونياً، ومادياً.

وتناولت الجلسة الثالثة موضوع المسار القضائي للعدالة الانتقالية في سوريا، حيث تركزت مداخلة الخبير القانوني حول المسؤولية الشخصية للمهتمين بهذا الموضوع، مشيراً إلى أن التشريعات الجزائية السورية حالياً لا تنص على بعض الانتهاكات، حيث لا يوجد ذكر أو استخدام لمصطلح جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، مستعرضاً تجارب سابقة لدول جنوب أفريقيا، البيرو، السلفادور، تونس، وكيف تعاملت مع هذه الإشكالية، وما الذي يمكن لسوريا أن تستفيد منه.

وتناولت الدكتورة المسؤولية القانونية للدول شريكة النظام في الانتهاكات مثل إيران وميليشياتها وروسيا، واستعرضت الإمكانيات القانونية للتحقيق بهذه الجرائم وإحالتها إلى المحاكم المختصة.

أوضح الدكتور في كلية الحقوق أن الهدف من الورشة السعي إلى بناء الحوار الوطني ومشروع السلم الأهلي، تمهيداً لإطلاق مسار العدالة الانتقالية الذي يتم العمل عليه، لافتاً إلى أنه مسار علمي أكاديمي في كلية الحقوق يرفد المسار الحكومي الرسمي بهذا المجال، حيث سترفع مخرجات هذه الورشة إلى صانع القرار للاستئناس بها، كما أنها ستكون البداية لسلسلة غير منتهية من ورشات العمل والمؤتمرات والحلقات النقاشية حول أهمية العدالة الانتقالية، حتى نضمن تكاتف وتعاضد كل السوريين.

مشاركة المقال: