الأحد, 19 أكتوبر 2025 10:44 PM

جسر العشارة المنهار: عزلة وأزمة نقل تهدد حياة سكان ريف دير الزور

جسر العشارة المنهار: عزلة وأزمة نقل تهدد حياة سكان ريف دير الزور

علي البكيع – دير الزور

تتزايد نداءات الاستغاثة والمطالبات في ريف دير الزور الشرقي، خاصة في مدينة العشارة وبلدة درنج والقرى المجاورة، وذلك بعد أن تسببت الأضرار الجسيمة التي لحقت بجسر العشارة الحيوي في تعطيل الحياة اليومية وإحداث أزمة نقل في المنطقة.

يعتبر جسر العشارة شريانًا حيويًا يربط بين ضفتي نهر الفرات، وهو المنفذ الوحيد الذي يسهل العبور بين منطقتي العشارة والجزيرة، في واحدة من أقدم مدن دير الزور وأكثرها نشاطًا. لكن الجسر المدمر اليوم يشهد على حجم المعاناة التي يعيشها السكان، بعد أن اضطروا لقطع عشرات الكيلومترات للوصول إلى الضفة المقابلة.

رحلة مضنية بدلاً من عبورٍ في دقائق

في السابق، كانت رحلة العبور بين ضفتي الفرات تستغرق دقائق معدودة، لكنها تحولت اليوم إلى كابوس يومي للسكان. شهد الجسر الحيوي خلال سنوات الحرب في سوريا تصاعد العنف في محيطه، وتسببت غارة للتحالف الدولي في عام 2016، ضمن حملة الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، في توقف حركة المرور بعد استهداف منتصف الجسر، بينما تشير تقارير صحفية إلى أنه تعرض في وقت سابق لغارة روسية أيضًا.

يقول أحد السكان، في حديثه لنورث برس: "من يرغب في الذهاب إلى الضفة الثانية من النهر، بات مضطرًا لقطع مسافة تصل إلى 60 كيلومترًا بسيارته، وقد تزيد لتصل إلى 70 كيلومترًا إذا ما اتجه نحو البوكمال، للوصول إلى وجهته، وذلك بسبب تدمير الجسر وتوقف خدمة المَعبَر عن العمل".

ويضيف أن هذه المسافات الطويلة ليست مجرد إهدار للوقت والوقود، بل هي قيد على الحركة الاقتصادية والخدمية، موضحًا أن السكان يعيشون عزلة شبه تامة بين ضفتي النهر. ويناشد الجهات المعنية والحكومة الجديدة بـ "إعادة تأهيل الجسر لخدمة المواطنين، خاصةً وأنه يخدم ضفتي النهر: مدينة العشارة وبلدة درنج والقرى المحيطة بها".

الخطر يتربص بالحالات الإسعافية والطلاب

تكمن الخطورة الأكبر في الجانب الإنساني والصحي، حيث يضطر السكان لنقل الحالات الإسعافية والمرضية عبر عبّارات وزوارق غير آمنة في ظل غياب العبور الآمن. ويحذر أحد السكان قائلاً: "الوضع سيئ جدًا في القرى، ونقل الحالات الإسعافية في العبّارات والسفن غير آمن، وقد تصل النتائج إلى كارثية، ما يتسبب في حالات وفاة بسبب النقل الخاطئ وغير المجهز".

من جانبه، يصف آخر، في حديثه لنورث برس، معاناته أثناء انتظاره على ضفة النهر قائلاً: "أنا الآن متواجد على جسر مدينة العشارة. أقف هنا منذ ساعة أو ساعة ونصف أنتظر مجيء أهلي من الخط الشرقي (الجزيرة). بالحقيقة، يوجد معاناة كبيرة لا يعلم بها إلا الله، وهنا خطر وحوادث قرب هذا الجسر".

ويتابع حديثه مشيرًا إلى المسافات الطويلة التي يضطر السكان لقطعها: "يضطر الشخص للذهاب إلى مدينة دير الزور ثم يعود إلى بلدة العشارة، قاطعًا مسافة طويلة. لو كان الجسر مؤهلاً، لاستطعنا اختصار الوقت والجهد، وخصوصًا في الحالات الإنسانية". كما أشار إلى أن حوادث الغرق تتكرر في النهر، موضحًا: "رأيت على مواقع التواصل الكثير من حوادث الغرق للمركبات والأفراد في النهر"، مطالبًا الحكومة بأن "تضعنا بعين الاعتبار وتنظُر إلينا بعين الإنسانية".

أعباء اقتصادية

لا يقتصر الضرر الناتج عن تدمير الجسر على الجانب الإنساني فحسب، بل يمتد ليرهق الفئات الأكثر هشاشة مالياً، من طلاب وموظفين يعتمدون على العبور اليومي للوصول إلى أعمالهم وجامعاتهم.

يقول أحد السكان لنورث برس: "نعاني ليلاً بشكل خاص، حيث تأتينا حالات إنسانية في المساء ولا يوجد سوى زوارق صغيرة، ولا نستطيع المخاطرة بها كونها لا تحمل أكثر من راكبين".

ويضيف أن الطلاب والموظفين يواجهون تحدياً كبيراً في التنقل: "هنالك طلاب يجب أن يعبروا إلى الضفة الأخرى من النهر كي يصلوا إلى الجامعات، وهنالك موظفون أيضاً. نطالب الحكومة بإعادة تأهيل الجسر".

ويسلط الضوء على الأعباء المالية الكبيرة التي يواجهها السكان قائلاً: "تكاليف النقل باهظة على الطلاب، إذ تبلغ تكلفة الذهاب والإياب 50 ألف ليرة بشكل يومي، بينما راتب الموظف لا يتجاوز الـ 400 ألف ليرة، وهذا لا يكفي لتغطية أجور نقل الزوارق". ويشير إلى حوادث متكررة تهدد حياة السكان، موضحًا: "منذ يومين حدثت حادثة لإحدى الزوارق كان ينقل راكبين ودراجة نارية، ولحسن الحظ لم تحصل أي حالة وفاة".

مطالب موحّدة وواضحة

يجمع سكان ريف دير الزور الشرقي على مطلب واحد لا يحتمل التأجيل: إعادة بناء وتعمير جسر العشارة. ففي الوقت الذي تُرفع فيه الأصوات لمطالبة الحكومة الجديدة بالاستجابة السريعة، يبقى الجسر المنهار رمزاً لمعاناة ممتدة تهدد أرواح السكان وتعطل حياتهم اليومية والتعليمية والاقتصادية.

ويرى السكان أن تأهيل الجسر ليس مطلباً خدمياً فحسب، بل ضرورة إنسانية عاجلة لإنهاء عزلة قسرية فُرضت عليهم، بعد أن كان الجسر طريقهم الوحيد إلى الضفة الأخرى من نهر الفرات.

تحرير: معاذ الحمد

مشاركة المقال: