الثلاثاء, 21 أكتوبر 2025 03:07 PM

حسن م. يوسف: رسالة اعتذار وتحفظات حول مواقف وأحداث في سوريا

حسن م. يوسف: رسالة اعتذار وتحفظات حول مواقف وأحداث في سوريا

رحم الله أمي، كانت تردد دائماً: «الدنيا مغطاة بقشة، وهنيئاً لمن لا يرفعها». أصارحكم أنني ترددت قبل كتابة هذا المقال، لكن الضغط الهائل الذي تعرضت له يجبرني على الكلام.

في عام 1963، انتقلت من قريتي الدالية إلى جبلة لإكمال دراستي. عانيت كثيراً، وكدت أضيع لولا أشخاص طيبون أوقظوني من غفلتي. أدركت أنني بقيت حياً بفضل الطيبين من كل أطياف المجتمع السوري، لذا قررت أن أكرّس حروفي لخدمتهم.

أدركت أهمية سمعة الكاتب، فرفضت المكافآت التي كان يصرفها كبار المسؤولين للصحافيين، ورفضت الهدايا من أصحاب القضايا التي أتناولها، حتى أنني رفضت هدية من والد الشاعر شادي خوري.

لست بطلاً، فقد عشت حياتي أغالب خوفي، لكنني لم أستسلم له يوماً. الخوف الذي نزل معي من القرية إلى المدينة لم يفارقني، لكنني لم أستسلم له.

عندما فزت بجائزة جريدة «البعث» عام 1976، قلت إنني أريد أن أكون مواطناً، ورفضت كل المناصب التي عُرضت عليَّ. وعندما تعرض الزميلان وليد معماري وتميم دعبول لحادث سير، رفضت أن أكون رئيساً للقسم الثقافي. عشت حياتي كمواطن، مسؤولاً فقط عن كلمتي.

أفضل رئيس تحرير مر عليَّ في «تشرين» كان عميد خولي، الذي كان يمنع المخابرات من أخذ أي محرر. أروي لكم قصة عن رئيس تحرير آخر، نجح في نقل البندقية من كتف إلى آخر.

في التسعينيات، وصلتني شكوى عن مدير مقسم اتصالات في ريف طرطوس يدير مقسمه بطريقة خاطئة. أرسل لي المدير رقماً، وعندما اتصلت به، قال لي: «اتصل به». تبين أنه رقم رئيس المخابرات. ذهبت إلى المخابرات، وبعد لقاء مطول، تبين أن سبب الاستدعاء هو زاويتي عن مدير المقسم، الذي كان قريباً للواء.

قلت لرئيس المخابرات إن الشجاعة في الصحافة شجاعتان: انتقاد الخطأ والاعتراف به. وأكدت أنني لم أكن أعلم بقرابة مدير المقسم. في اليوم التالي، كتبت زاوية عن الفارابي والحقيقة ومهنة المتاعب.

أثناء عرض مسلسل «نهاية رجل شجاع»، أوضحت أن الشجاعة هي مواجهة الخوف، بينما البطولة هي مواجهة الخوف في سبيل قضية نبيلة.

أثناء عرض «إخوة التراب»، حاولت السفارة التركية منع المسلسل في الكويت. شكك فنان في مصداقية المسلسل، لكنني أثبت هشاشة طرحه. مشاهد العنف في المسلسل تهدف إلى جعله أكثر إقناعاً.

قبل أسبوع، عينت السلطة الانتقالية الدكتور أحمد جاسم الحسين رئيساً لاتحاد الكتاب العرب، وقام بفصل عدد من الأعضاء، وزج باسمي في القائمة. رفضت الانتساب إلى الاتحاد سابقاً بسبب معارضة المدعو «ع. ع. ع». فرضت علي عضوية الشرف عام 2016 من قبل الدكتور نضال الصالح.

قبيل مؤتمر المعارضة السورية الأول عام 2011، أبلغت صديقاً أن موازين القوى ليست في مصلحة القوى اليسارية والديموقراطية، وأن الإسلام السياسي سيحل محل حكم «البعث».

بعد وصول الإسلام السياسي إلى الحكم، ذكرت الصديق السابق بما قلته له. ما جرى في الساحل والسويداء كان أسوأ من مخاوفي. ألغت السلطة الانتقالية عيد الشهداء، وبدأ النبش في تاريخي.

استندت في فيلم «رجل الثورة» إلى ما قاله ميخائيل لودرز بأن «جبهة النصرة» تستخدم السلاح الكيميائي بالتعاون مع الاستخبارات التركية. كنت حريصاً على عدم الوقوع في فخ الدعاية السياسية.

تضامن الناس معي فاق توقعاتي، لكن خيبتي ببعض المثقفين لا حدود لها. انتقد نجم الدين السمان قرار فصلي، وذكر أنني أيدت حمام الدم ضد السوريين. ما يعرفه الناس عن نجم الدين سمان هو أن وزير الثقافة رياض نعسان آغا أسس له مجلة «شرفات» وعينه رئيس تحرير لها.

أعترف أنني فوجئت بالتضامن معي، لكنني تألمت من صمت بعض المثقفين ومن كلام من مارسوا بحقي الافتراء. كتبت لي سيدة من الساحل كلاماً قاسياً.

أؤمن بأن الأوطان تُبنى من الداخل بصبر وأناة. أعتذر من كل السوريين الأبرياء الذين تبددت أعمارهم في السجون والمنافي، ومن كل السوريين الوطنيين الشرفاء الذين تحسسوا من كلماتي، لكنني أرفض الاعتذار ممن لم تزعجهم مذابح الساحل والسويداء، ولم يغضبوا لإلغاء عيد الشهداء، واحتلال الأتراك للشمال السوري واحتلال الجيش الأزرق للجولان والجنوب ووجود أميركا في التنف وروسيا في طرطوس واللاذقية!

مشاركة المقال: