الخميس, 20 نوفمبر 2025 12:24 AM

حلب تستعيد نبضها الصناعي: افتتاح سوق "الإنتاج" يعيد الذاكرة الاقتصادية للمدينة

حلب تستعيد نبضها الصناعي: افتتاح سوق "الإنتاج" يعيد الذاكرة الاقتصادية للمدينة

تستعد غرفة صناعة حلب، تحت رعاية محافظة حلب، لافتتاح سوق الإنتاج الزراعي والصناعي بعد الانتهاء من أعمال التأهيل الجارية. تشمل هذه الأعمال إعادة تنظيم المرافق الأساسية، وتحسين البنية التحتية، وتنظيم المساحات المخصصة للتجار والصناعيين.

موقع صناعي بالاسم

سيتم افتتاح سوق الإنتاج في 21 تشرين الثاني الحالي، بعد الانتهاء من مرحلة التأهيل الحالية، وذلك في إطار جهود أوسع لتحسين وتنظيم بيئة العمل الصناعي والتجاري في حلب. صرح محمد زيزان، عضو مجلس إدارة غرفة صناعة حلب ورئيس لجنة المعارض في الغرفة، بأن العمل على تجهيز سوق الإنتاج يأتي استجابة لحاجة ملحة ظهرت بعد "فترة التحرير".

واعتبر زيزان، في حديث إلى عنب بلدي، أن مدينة حلب "كانت مظلومة خلال سنوات حكم النظام السابق" من ناحية إقامة المعارض وافتقارها لمدينة معارض مخصصة تليق بوزنها الاقتصادي. وأضاف أن أرض السوق الحالي استخدمت طويلًا "كموقع صناعي" بالاسم، لكنها كانت عمليًا عبارة عن مستودعات غير معروفة الاستخدام، استثمرها النظام السابق "لأغراض معينة" دون وضوح في وظيفتها الفعلية.

وسيخصص السوق ليكون مساحة دائمة لعرض منتجات الصناعيين داخل مدينة حلب، بعد أن خضع خلال الأسابيع الماضية لعمليات صيانة وتأهيل واسعة. وأشار إلى أن بنية السوق كانت شبه مدمرة، ما استدعى ورشة عمل كبيرة شارك فيها مهندسون مختصون وعشرات العمال لإنجاز الإصلاحات المطلوبة. ووفقًا لزيزان، شارفت الأعمال على نهايتها، إذ يتبقى يومان فقط قبل افتتاح السوق بصيغته الجديدة، بما يليق باسم حلب ومكانتها الاقتصادية.

وأوضح زيزان أن السوق كان متوقفًا عن استقبال الفعاليات الاقتصادية والصناعية والتجارية منذ نحو 15 عامًا، وأن افتتاحه سيشكل عودة فعلية لهذه الأنشطة. أول فعالية ستقام بعد الافتتاح هي "مهرجان تسوق حلب- شتاء 2025"، وتتبعه دورات متعددة من المهرجانات والفعاليات الموسمية التي تهدف إلى تنشيط الحركة التجارية وتوفير منصة دائمة للترويج للمنتجات المحلية.

البحث عن إقامة مدينة معارض

وتابع زيزان أن غرفة الصناعة تعمل بالتوازي مع ذلك على معالجة النقص المزمن في البنية التحتية للمعارض في المدينة. وتواصلت الغرفة مع محافظة حلب لإيجاد أرض مناسبة لإقامة مدينة معارض خاصة بحلب، بعد دراسة عدة خيارات خلال الأشهر الماضية. واستقرت مؤخرًا على أرض تبلغ مساحتها نحو 600 ألف متر مربع، تقع على طريق دمشق، على مسافة تقارب 20 كيلومترًا جنوب المدينة.

وبحسب زيزان، سيتم العمل لاحقًا على تطوير هذه الأرض لتكون مدينة معارض متكاملة تلبي متطلبات الصناعيين وتتيح استضافة فعاليات محلية وخارجية. ولحين الانتهاء من مشروع مدينة المعارض الجديدة، أكد زيزان أن عرض منتجات الصناعيين، في حلب وباقي المحافظات، سيستمر على أرض سوق الإنتاج. واعتبر أن وجود مدينة معارض دائمة في حلب "أمر أساسي"، ولا سيما مع فتح السوق أمام المنتجات الأجنبية وارتفاع الحاجة إلى منصات تساعد الصناعيين المحليين في التصدير والمنافسة داخل الأسواق المفتوحة.

دائرة شؤون الإعلام بمحافظة حلب أوضحت لعنب بلدي أن إعادة تأهيل سوق الإنتاج تهدف إلى تنشيط الحركة التجارية وتوفير بيئة عمل مناسبة للتجار والصناعيين. ويتوقع من المشروع أن يسهم في تعزيز النشاط الاقتصادي في المدينة، ودعم المعامل والورش المحلية. كما أن إعادة السوق إلى دوره الطبيعي سيكون مقصدًا رئيسيًا لأصحاب المهن والمنتجات المحلية، الأمر الذي يتيح، بحسب الدائرة، أن تصبح منصة دائمة تعرض الصناعات الحلبية وتربط بين التجار والمستهلكين.

مرتبط بذاكرة المدينة

الصناعي في مجال تصنيع الألبسة، عبد المعين بودقة، قال لعنب بلدي إن إعادة افتتاح سوق الإنتاج لا يمثل مجرد خطوة تنظيمية أو مكانًا إضافيًا لعرض المنتجات، بل يحمل بعدًا معنويًا يرتبط بذاكرة المدينة الصناعية وأهلها. السوق كان، لسنوات طويلة قبل توقفه، ملتقى للصناعيين والتجار ويجمع بين صانعي البضائع والمستهلكين، الأمر الذي جعله جزءًا من إيقاع الحياة الاقتصادية في حلب.

وأضاف بودقة لعنب بلدي أن كثيرًا من الصناعيين يرتبطون بالسوق "وجدانيًا"، فالسوق شكل نقطة انطلاق لعشرات المصانع والورش، ومكانًا تعرض فيه أولى منتجات كثير من الحرفيين. كان السوق مرجعًا للجميع، بحسب وصفه، يزوره أهل المدينة للتعرف على الجديد في الصناعة المحلية، وكان ينظر إليه باعتباره واجهة لحلب الصناعية وصورة عن هويتها الاقتصادية التي عرفت فيها لعقود.

السوق سيصبح مجددًا نقطة التقاء بين الصناعيين والتجار والزوار، بما يعيد جزءًا من الذاكرة المشتركة للمدينة ويمنح الصناعيين دافعًا إضافيًا للاستمرار في الإنتاج رغم التحديات. وأضاف أن عودة سوق الإنتاج ليست مجرد مشروع اقتصادي، بل خطوة لإحياء جزء من هوية حلب الصناعية التي بُنيت عبر عقود.

تاريخ السوق

بدأت قصة سوق الإنتاج في حلب عام 1959، حين أقيم أول معرض له خلال فترة الوحدة بين مصر وسوريا، ليصبح منذ ذلك الحين موعدًا سنويًا لعرض منتجات المدينة والصناعات المحلية من مختلف أنحاء سوريا. وكان السوق، الذي يقع بحي المحافظة، على مر السنوات مقصدًا للعائلات للتسوق والترفيه والنزهة. حيث كانت تقام خلال المعرض فعاليات ثقافية وفنية متنوعة، تشمل حفلات الغناء والرقص، ومسرحيات، ومعارض للفنون التشكيلية والمهن اليدوية التراثية، تستمر لمدة شهر كامل تقريبًا.

ويشير أرشيف حلب الوطني– دار الوثائق الرقمية التاريخية، إلى أن السوق لم يكن مجرد مكان لعرض المنتجات، بل شكل جزءًا من ذاكرة المدينة الصناعية وحياة سكانها اليومية، كما جمع بين البعد الاقتصادي والترفيهي والثقافي على مدار عقود من الزمن.

“خان الحرير” في حلب.. المعارض لا تعوض غياب الدعم
مشاركة المقال: