تشكّل أيام عيد الأضحى تحديًا إضافيًا لأحياء حلب الشرقية التي تعاني أساسًا من تردي خدمات النظافة، وفي مقدمتها حي الميدان. في كل عيد، تُذبح الأضاحي قرب المنازل أو أمام المحال، في ظل غياب أي تنظيم فعلي من الجهات البلدية، ووسط بنية تحتية متهالكة لا تحتمل مزيدًا من الضغط.
محمد معراتي، أحد سكان حي الميدان، قال لعنب بلدي إن المشهد يتكرر ذاته في كل عام، دماء تسيل على الأرصفة، وأحشاء حيوانية مرمية في الزوايا، وروائح تعجز عن تحمّلها. وأضاف أن الذباب يتكاثر بشكل ملحوظ، والحي لا يحتمل مزيدًا من التلوث، ذاكرًا أنهم يعيشون “وسط أكوام من النفايات منذ أشهر”، وفق وصفه. واعتبر أن مشهد ذبح الأضاحي الشوارع، إذا تكرر كما في كل عام، فإن الوضع سيتحول إلى “كارثة بيئية”.
ليس فقط في الأعياد
لا تقتصر الأزمة على فترة العيد، بل تتجلى بشكل يومي في أماكن حيوية، مثل الطريق المؤدي إلى مدرسة “زكي الأرسوزي”، حيث تتكدّس النفايات البلاستيكية وبقايا الطعام والكرتون، دون وجود حاويات مناسبة أو عمليات ترحيل منتظمة. “أبو حسام”، والد أحد التلاميذ، قال لعنب بلدي إن ابنه (سبع سنوات) يضطر لعبور الشارع المليء بالنفايات في طريقه إلى المدرسة، قائًلا إن “المشهد مقزز والرائحة خانقة”. وأضاف أنه حاول مرارًا التواصل مع البلدية، لكن دون جدوى، فلا أحد يستجيب، و”كأن الحي خارج التغطية”. وتابع أن الطلاب يمرون يوميًا بين أكوام النفايات، والذباب والقوارض تنتشر في محيط المدرسة، معتبرًا هذا “تهديدًا مباشرًا لصحة الأطفال ويؤثر سلبًا على تركيزهم وسلامتهم”.
تعاون شبه معدوم
في حديث إلى عنب بلدي، قال رئيس شعبة النظافة في قطاع السليمانية، موفّق الأخرس، إن المنطقة (قرب مدرسة زكي الأرسوزي) التي تضم مكب سوق الخضار تُخدم بشكل يومي، وتُرحّل القمامة بانتظام نظرًا للكمية الكبيرة التي تنتج يوميًا. وأوضح أن الشعبة ترفع القمامة يوميًا تقريبًا، لكن “الكمية هائلة، والسوق كبير جدًا”، ما يصعّب عملية التنظيم أو الرقابة الكاملة. ويرى الأخرس أن المسؤولية مشتركة، مضيفًا أن المواطن يحب أن يكون شارعه نظيفًا، لكنه “لا يبادر بأي خطوة لتحقيق ذلك، التعاون شبه معدوم، والبلدية تتعامل مع الواقع كما هو”. وأكد أن تحسين الوضع يتطلب جهودًا جماعية وتوفير دعم حكومي أكبر، داعيًا إلى إطلاق حملات توعوية وخلق مبادرات جدية تعكس واقع النظافة في المدينة.
بدورهم، أكد عدد من أصحاب المحلات والجزارين في حي الميدان، أنهم يبذلون جهودًا قدر الإمكان للالتزام بمعايير النظافة خلال عيد الأضحى، من خلال غسيل بقايا الدماء وترحيل الفضلات التي تبقى بعد الذبح. لكنهم أشاروا إلى أن التأخير في جمع هذه الفضلات يعود غالبًا إلى الجهات المختصة بعمليات الترحيل، مما يترك مخلفات لفترات طويلة في الشوارع، ويزيد من تفاقم مشكلة التلوث.
خارج حسابات الحملات
ورغم إطلاق حملات رش المبيدات لمكافحة اللاشمانيا التي أعلن عنها مجلس مدينة حلب منتصف أيار الماضي، إلى جانب حملة “الوفاء لحلب” التي شملت تنظيف بعض الأحياء، يشعر سكان حي الميدان أنهم مغيبون عن خطط البلدية والمنظمات. حسام، شاب يقطن قرب مدرسة “زكي الأرسوزي” قال إنه يرى على وسائل التواصل صورًا لحملات نظافة ورش مبيدات في أحياء محددة، بينما حيه لا يذكر، ولا يلتفت إليه، وكأنه “خارج خارطة المدينة”.
المجلس يكتفي بتعميم
تواصلت عنب بلدي مع مجلس مدينة حلب للاستفسار حول خطة العمل خلال فترة العيد، خصوصًا بما يتعلق بتنظيم ذبح الأضاحي، إلا أن القائمين على المكتب الإعلامي أشاروا إلى أن “إعطاء التصريحات غير متاح في الوقت الراهن”. واكتفى المجلس بنشر تعميم رسمي عبر صفحته على وسائل التواصل الاجتماعي، في 2 من حزيران الحالي، تضمن توصيات لأصحاب محلات اللحوم بضرورة الالتزام بالضوابط الصحية.
تضمنت بنود التعميم:
- منع ذبح الأضاحي خارج المحال المخصصة لذلك.
- عدم ربط المواشي أمام المحلات أو في الشوارع والساحات العامة.
- الالتزام بذبح الأضاحي داخل المحل حصريًا، مع ترحيل النفايات فورًا.
- عدم إشغال الأرصفة والحدائق، ومنع تعليق الخراف أو عرضها في الأماكن العامة.
كما أشار التعميم إلى استقبال المواطنين في مسلخ الراموسة الفني خلال أيام العيد، مؤكدًا أن مخالفي التعليمات سيعرّضون للمساءلة القانونية بموجب الأنظمة النافذة. ورغم وضوح البنود، يخشى سكان حي الميدان، كما في أحياء أخرى، أن تبقى هذه التعليمات حبرًا على ورق، في ظل غياب الرقابة الميدانية، وتكرار مشاهد الذبح العشوائي والمخلفات المكشوفة مع كل عيد.
وتمتد مشكلة النظافة وظاهرة الذبح العشوائي، لتشمل معظم أحياء حلب الشرقية التي تعاني من تردي الخدمات والافتقار إلى التنظيم والرقابة، وليست حكرًا على حي الميدان فقط، مما يفاقم الأزمات البيئية والصحية في المدينة بشكل عام.
يبدأ عيد الأضحى في سوريا اعتبارًا من يوم الجمعة المقبل 6 من حزيران، ويمتد حتى أربعة أيام، وتعتبر عطلة رسمية في الدوائر الرسمية، باستثناء الجهات العامة التي يتطلب عملها الاستمرارية.