بينما يحلم آلاف النازحين واللاجئين بالعودة إلى مدينتهم حلب، تصطدم آمالهم بجدار الأسعار الخيالية التي باتت تفرض نفسها على سوق العقارات في المدينة، سواء في البيع أو الإيجار، وسط حالة من الاستغراب والسخط الشعبي من غياب أي ضوابط أو رقابة حكومية على هذا الارتفاع غير المنطقي.
ورغم الوضع الاقتصادي المنهك، وغياب الخدمات الأساسية في معظم أحياء المدينة، فإن أسعار الشقق السكنية في أحياء مثل الفرقان وحلب الجديدة تجاوزت حاجز عشرات الآلاف من الدولارات، بل وصلت في بعض الحالات إلى أرقام خيالية، تضاهي أسعار الشقق في إسطنبول وغازي عنتاب.
وفي متابعة لصفحات متخصصة بنشر عروض العقارات في حلب، يتبين أن الإيجارات الشهرية لبعض الشقق في المناطق المصنفة كـ "مخدمة" تتراوح بين 6000 و12,000 دولار سنويًا، وهي أرقام يعجز عن تحملها معظم السكان، لا سيما النازحين والعائدين من الخارج.
يقول "أبو أحمد"، وهو نازح يحاول العودة إلى حلب منذ بداية العام الحالي: "كلما اقتربت من تحقيق حلم العودة، أُفاجأ بارتفاع جديد في الأسعار، لا بيت للإيجار بسعر معقول، ولا بيت للبيع يمكن لعائلتي تحمله، لا نريد ترفًا، فقط سقفًا نبدأ تحته من جديد".
أما "سامر"، وهو لاجئ سابق عاد من تركيا إلى حلب بعد سقوط النظام بأيام قليلة، فيروي: "عدت على أمل أن أجهز منزلاً لزوجتي وأولادي كي يلتحقوا بي من تركيا، لكنني حتى الآن لم أنجح في إيجاد شقة مناسبة، الأسعار صادمة، سواء للشراء أو الإيجار، أنا أعيش حاليًا عند أقاربي، وعائلتي تنتظرني منذ أشهر".
وفي تصريح خاص، قال محمد حاج يحيى، صاحب مكتب عقاري في حي حلب الجديدة: "لا يوجد تسعيرة رسمية أو ضبط للسوق، الأسعار تُحدد حسب الطلب والمنطقة، وهناك مضاربة واضحة بين تجار العقارات والمكاتب الكبيرة، المشكلة أن الدولة لا تضع أي ضوابط أو ضرائب حقيقية على عمليات البيع والشراء، فباتت العقارات وسيلة للربح السريع".
وأضاف: "حتى الإيجارات أصبحت تثقل كاهل الناس، وخاصة مع اشتراط الدفع المسبق لسنة أو سنتين، معظم المستأجرين يلجؤون الآن إلى الأحياء الشعبية أو حتى إلى أطراف المدينة بحثاً عن أسعار أقل، لكنها أيضاً ترتفع تدريجيًا بسبب الضغط".
يُجمع السكان أن أزمة الإسكان في حلب تجاوزت حدود المعقول، وتهدد بتكريس النزوح والشتات، بدلًا من تشجيع العودة والاستقرار، ويرى البعض أن فتح السوق العقارية على مصراعيها دون رقابة حقيقية أو تدخل حكومي قد يقود إلى مزيد من الأزمات الاجتماعية والاقتصادية.
وفي ظل هذه المعطيات، تبقى العودة حلمًا مؤجلًا، مؤلمًا، يطارد آلاف السوريين الباحثين عن بداية جديدة في مدينتهم القديمة.