الثلاثاء, 1 يوليو 2025 05:31 AM

خبير اقتصادي سوري يدعو إلى استراتيجية متوازنة: دمج الجدوى التنموية والاقتصادية في صنع القرار

خبير اقتصادي سوري يدعو إلى استراتيجية متوازنة: دمج الجدوى التنموية والاقتصادية في صنع القرار

في سياق الدور الاستراتيجي للدولة، تختلف الذهنية التي تتعامل بها مع الأعمال عن ذهنية التاجر التي تسعى دائمًا إلى الربح السريع. لذلك، لم يعد من المستحسن الإشادة بالإدارات الحكومية التي تعمل بعقلية التاجر، كما هو الحال في الدول ذات الاقتصادات الريعية التي عطلت مكونات الإنتاج والتنمية الحقيقية.

• د. ريا: إعادة تقييم آليات اتخاذ القرار الاقتصادي، خاصة فيما يتعلق بتقييم جدوى المشاريع التنموية والاستثمارية.

بالنسبة لسوريا، يجب أن يكون الأمر مختلفًا، حيث يجب إعطاء الأولوية للجدوى التنموية، أي المنظور الأشمل والأكثر استدامة لمفهوم الجدوى. هذه الحيثية تحتاج إلى دراسة شاملة واستقطاب الآراء، لأنها بالغة الأهمية في بناء سوريا الجديدة.

في سياق توثيق الرؤى المبتكرة، طرحت "الحرية" سؤالًا على الدكتور المهندس والخبير الاقتصادي سلمان ريا حول البعد التنموي في بيئة صنع القرار، خاصة في ظل الفهم الخاطئ لمفهوم الاقتصاد الحر. يلفت د. ريا إلى أنه في ظل التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه سوريا، تزداد الحاجة إلى إعادة تقييم آليات اتخاذ القرار الاقتصادي، وتقييم جدوى المشاريع التنموية والاستثمارية.

يرى د. ريا أن النظر إلى جدوى المشاريع يجب ألا يقتصر على الربحية المالية، بل يجب أن يشمل الأثر الاجتماعي والاقتصادي والبيئي الأوسع، وهو ما يتطلب رؤية متكاملة تأخذ بعين الاعتبار الجدوى الاقتصادية والتنموية.

• الجدوى الاقتصادية تركز على الربحية المالية المباشرة للمشروع، أما الجدوى التنموية فتتسع لتشمل الأثر الاجتماعي والاقتصادي والبيئي.

الاختلاف

يوضح الخبير ريا الفرق بين الجدوى الاقتصادية والجدوى التنموية، فالجدوى الاقتصادية تركز على الربحية المالية المباشرة للمشروع، مثل تحقيق عائد على الاستثمار. أما الجدوى التنموية فتشمل الأثر الاجتماعي والاقتصادي والبيئي الذي يتركه المشروع على المجتمع، مثل خلق فرص عمل وتقليل الفقر.

ليس هناك تناقض بين هذين النوعين من الجدوى، بل يمكن أن يكون المشروع مجديًا اقتصاديًا وتنمويًا في آن واحد. لكن في سوريا، غالبًا ما تهيمن الحسابات الاقتصادية الضيقة التي تركز على الربح السريع، مما يؤدي إلى تهميش المناطق الأكثر احتياجًا وزيادة الفوارق الاجتماعية. لذلك، دمج الجدوى الاقتصادية مع التنموية ضروري لفهم أعمق للمشاريع.

خصوصيّة

وفقًا للخبير الدكتور ريا، تتميز البيئة الاستثمارية في سوريا بالتعقيد بسبب الحرب والتدمير والركود الاقتصادي، حيث الأسواق ضعيفة والقدرة الشرائية متدنية، والتفاوت الجغرافي والاجتماعي كبير جدًا. في هذا السياق، فإن تقييم المشاريع بناءً فقط على الربح يغذي اقتصاد الريع ويهمش المناطق المحرومة. لذلك، من الضروري دمج معايير الأثر الاجتماعي والتنمية المستدامة ضمن تقييم الجدوى.

صلاحيات محليّة

يؤكد الدكتور ريا أن التجارب العالمية والمحلية تُظهر أن توسيع صلاحيات الجهات المحلية في اتخاذ قرارات اقتصادية تتناسب مع خصوصية كل منطقة، يعزز من فعالية تخصيص الموارد ويجعل التنمية أكثر انسجامًا مع احتياجات السكان. هذا التوجه، الذي يُعرف بالاقتصاد اللامركزي، يمكن أن يكون أداة مهمة لتفعيل المشاريع التنموية عبر إشراك المجتمع المحلي، ما يدعم الاستدامة ويخفف من التركز المفرط للموارد والقرارات في المركز.

يتطلب التطبيق العملي لهذا النموذج المتكامل في سوريا تبني إطار تقييم مزدوج يوازن بين العائد المالي والأثر الاجتماعي، مع أوزان واضحة لكل معيار. كما يرى أنه يجب تحفيز المشاريع التنموية من خلال حوافز ضريبية ومالية وتسهيلات في التراخيص، خاصة في المناطق الريفية والمحرومة.

• النجاح في إعادة إعمار سوريا لن يُقاس فقط بالأرقام المالية، بل بمدى قدرة المشاريع على إعادة بناء المجتمع والاقتصاد على أسس متينة.

كذلك، دور الشراكة بين القطاعين العام والخاص ضروري لدعم مشاريع ذات جدوى تنموية حتى ولو لم تكن مربحة على المدى القصير. وفي نفس الوقت، يجزم الخبير الاقتصادي بأنه ينبغي أن يُمنح للمجتمعات المحلية دور أكبر في تحديد أولوياتها التنموية، وهذا لا يتطلب بالضرورة تحويل شامل للسلطة، بل خطوات مدروسة لتمكين الجهات المحلية من المشاركة الفعالة في صياغة وتنفيذ السياسات الاقتصادية، بما يتناسب مع مواردها وخصوصيات بيئاتها.

ويقدّم أمثلة عملية على المشاريع التي تحقق هذا التوازن، كمشاريع إعادة بناء المستشفيات والمدارس في المناطق المحرومة، أو مشاريع الطاقة المتجددة التي توفر فرص عمل وتحمي البيئة، أو تطوير البنية التحتية المائية والزراعية التي تعزز الأمن الغذائي. هذه المشاريع قد لا تدر أرباحًا سريعة لكنها تُحدث أثرًا مستدامًا ومباشرًا في حياة الناس.

مؤشرات

نسأل: كيف يتم تقييم الجدوى التنموية عمليًا؟ يجيب د. ريا بأنه يتم استخدام مؤشرات مثل عدد فرص العمل الموفرة، نسبة استفادة الفئات المهمشة، التأثير البيئي، مدى استدامة المشروع بعد انتهاء فترة التمويل، ونسبة المشاركة المجتمعية في المشروع. هذه المؤشرات تُضاف إلى المعايير الاقتصادية التقليدية لتوفير تقييم شامل.

لا يمكن إغفال الدور المحوري للمانحين الدوليين والمنظمات في تمويل المشاريع التي تحقق أثرًا تنمويًا ولا تكون جذابة للاستثمار الخاص بسبب الربحية المنخفضة. كما يمكنهم توفير ضمانات تشجيع للاستثمار ودعم بناء القدرات المحلية لضمان استدامة المشاريع.

إعادة نظر

يجمل الدكتور سلمان ريا رؤيته في خلاصة لـ "الحرية" بأن النجاح في إعادة إعمار سوريا لن يُقاس فقط بالأرقام المالية، بل بمدى قدرة المشاريع على إعادة بناء المجتمع والاقتصاد على أسس متينة. فالجدوى الاقتصادية لم تعد كافية دون أن ترتبط بالجدوى التنموية. ويضيف: علينا أن نعيد التفكير في منظومتنا الاستثمارية لتصبح أكثر شمولية واستدامة، مع تعزيز آليات تمكين المجتمعات المحلية من المشاركة في صنع القرار الاقتصادي بشكل يتناسب مع قدراتهم واحتياجاتهم. التنمية الحقيقية تبدأ حينما نضع الإنسان في قلب كل قرار اقتصادي.

مشاركة المقال: