السبت, 5 يوليو 2025 06:31 PM

دمشق بين التطبيع والسلام المشروط: آراء متباينة حول العلاقة مع إسرائيل

دمشق بين التطبيع والسلام المشروط: آراء متباينة حول العلاقة مع إسرائيل

نورمان العباس – دمشق

في خضم التوترات الإقليمية المتصاعدة وإعادة هيكلة التحالفات في منطقة الشرق الأوسط، عادت قضية العلاقة بين سوريا وإسرائيل لتتصدر المشهد، مدفوعة بتسريبات إعلامية إسرائيلية غير مسبوقة وتصريحات تشير إلى تحركات دبلوماسية تجري خلف الأبواب المغلقة. فقد كشف تقرير نشرته صحيفة “إسرائيل هيوم” عن إشراف رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، تساحي هنغبي، على ما وصف بـ “حوار شامل ومباشر” مع شخصيات سياسية سورية، حول ملفات أمنية وسياسية مشتركة. وفي ظل التزام دمشق بالصمت، تثار تساؤلات عديدة: هل ستؤدي هذه القنوات إلى اتفاق محتمل وسلام مشروط، أم أننا أمام فصل جديد من المناورات السياسية؟

شكوك وتوقعات

تتنوع وجهات نظر طلاب كلية العلوم السياسية في دمشق بشأن أي تقارب محتمل مع إسرائيل. دلع عثمان، طالبة في السنة الرابعة، تعارض التطبيع والسلام مع إسرائيل، معتبرة أنها لا تحترم المواثيق الدولية، وأن سلامها دائماً مشروط بسيطرتها على الطرف الآخر. وتضيف أن أي اتفاق سلام يجب أن يتضمن وقف حصار غزة، مع التأكيد على عدم التنازل عن الجولان، خاصة بعد قرار إسرائيل بوضعه تحت إدارتها وقيامها بتوغلات متكررة.

أما أحمد غلاب، الطالب في قسم العلاقات الدولية في السنة الرابعة، فيرى أن الواقع يفرض نوعاً من السلام، معتبراً أنه لا يمكن مواجهة إسرائيل عسكرياً، لكن السلام يجب أن يحفظ السيادة السورية كاملة، بما في ذلك استعادة الأراضي المحتلة. ويشير إلى أن الصمت الحكومي معتاد، لكن الحكومة قد تدرس الملف بحذر.

محمد نبيل الحلبي، طالب سنة رابعة في كلية العلوم السياسية، يرى أن الاتفاق مقبول فقط إن كان مشروطاً ويضمن استعادة الجولان بالكامل. ويؤكد أن التطبيع مرفوض، لكن اتفاق سلام يحفظ السيادة ممكن، وأن الصمت الرسمي ناتج عن هشاشة الثقافة السياسية بعد سنوات من الحكم السلطوي، مما يجعل مناقشة قضايا حساسة مثل السلام تحتاج إلى طرح متأنٍ.

طارق زياد أبو حمدان يعبر عن يأس شعبي متزايد، قائلاً: “سئمنا الحرب، لكن كيف نثق بدولة تدعي السلام وتقصف غزة ولبنان؟ إسرائيل تتحدث عن التهدئة إعلامياً، بينما تواصل العدوان على الأرض.”

في المقابل، يرحب مالك سمسمية مبدئياً بفكرة السلام، معتبراً أنه إذا التزمت إسرائيل بالشروط واحترمت السيادة، فقد يكون السلام بداية لاستقرار سوريا بعد سنوات الحرب.

وساطة أمريكية

المحلل السياسي حسام طالب يشكك في دقة ما ورد في الإعلام الإسرائيلي، معتبراً أن الاتصالات ليست مباشرة بل تمر عبر قنوات أمريكية بقيادة المبعوث توم باراك. ويضيف أن السلام بات ضرورة إقليمية ودولية، لكن لا يمكن المساس بالجولان السوري، الذي لا يزال سكانه يحتفظون بوثائق ملكية أراضيهم. ويرى أن السلام بات مطلوباً سورياً وإسرائيلياً ودولياً، لأن الحروب لا تؤدي إلى ازدهار ولا استقرار، وأن سوريا دفعت ثمناً باهظاً لذلك، مشيراً إلى أنه يمكن التوصل إلى اتفاق فيه حل وسط دون المساس بالجولان كجزء من السيادة السورية.

من جهته، يعرب الدكتور حسين مقلد، الأستاذ في كلية العلوم السياسية وعميد كلية العلاقات الدولية والدبلوماسية سابقاً، عن شكوكه وعدم ثقته للوساطة الأميركية، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة “منحازة” بالكامل لإسرائيل، وبالتالي “لا يمكن الوثوق بها كوسيط نزيه”. ويؤكد أن الجولان يجب أن يعود كاملاً، وأن السلام الحقيقي لا يمكن أن يُبنى على تنازلات، بل على استعادة الحقوق وبدعم عربي واضح، داعياً إلى الشفافية والمصارحة مع الشعب السوري. ويضيف أن أي تفاوض يجب أن يكون علنياً، وأن يُشرك السوريون فيه، لا أن يُفرض عليهم من وراء الأبواب المغلقة.

هدنة.. لا تطبيع

الدكتور مجدي الجاموس، أستاذ العلوم السياسية في جامعة دمشق (فرع درعا)، يرى أن المزاج العام يميل نحو التهدئة، معتبراً أن الشعب مع اتفاق سلام يضمن السيادة، لا مع تطبيع شامل. ويؤكد أن الشعب في الجنوب يرفض أي تنازل عن الكرامة، وأنهم مع اتفاق سلام وهدنة، لا تطبيع شامل. ويشير إلى أنه في الوقت ذاته لا تملك سوريا حالياً القدرة على المواجهة، ولهذا فإن التهدئة قد تفتح المجال لاستعادة الاقتصاد دون الوقوع في فخ الاستسلام.

وبشأن صمت الحكومة السورية، يشير الجاموس إلى أنه يعكس وجود سياسة متبعة تقوم على تجنب المواجهة المباشرة والاستفزاز، مع التركيز على الحلول الدبلوماسية. ويتابع قائلاً: “لا نملك القدرات العسكرية للمواجهة حالياً”، مستبعداً التطبيع في الوقت الحالي، فيما يتوقع التوجه نحو اتفاق سلام “يسمح بتهدئة الحدود والعمل على الجانب الاقتصادي.”

بين التصريحات الإسرائيلية الغامضة، والصمت السوري المريب، يتساءل سوريون: هل تنضج الظروف لاتفاق سلام مشروط يعيد الأرض ويحفظ السيادة؟ أم أنها مشهد فصل جديد من لعبة المصالح الإقليمية والمراوغة السياسية؟ ومتى سيكون للمواطن السوري كلمة في قضايا تقرير مصيره؟

تحرير: خلف معو

مشاركة المقال: