السبت, 22 نوفمبر 2025 04:59 PM

دير الزور: تحديات جمة تواجه استئناف عمل المصالح العقارية وتعيق توثيق الملكيات

دير الزور: تحديات جمة تواجه استئناف عمل المصالح العقارية وتعيق توثيق الملكيات

على الرغم من استئناف مديرية المصالح العقارية في دير الزور لعملها بعد توقف دام سنوات بسبب الأضرار التي لحقت بالمبنى نتيجة قصف قوات النظام السابق وفقدان جزء كبير من السجلات العقارية، إلا أنها تواجه صعوبات جمة.

تشير تقديرات الموظفين العاملين في المديرية إلى أن نسبة السجلات المفقودة تصل إلى حوالي 70%، ويعزى ذلك إلى التلف الناتج عن القصف، والسرقة، وحرق أجزاء منها أثناء سيطرة تنظيم داعش، الذي قام بنقل بعض السجلات إلى الميادين قبل إتلاف قسم منها.

يؤثر غياب هذه الوثائق بشكل مباشر على قدرة الدائرة على توثيق العقارات أو إصدار سندات ملكية جديدة، مما يبطئ الإجراءات المتعلقة بتسجيل الملكيات أو تصحيح بياناتها. يجبر غياب السجلات الأصلية المالكين على اللجوء إلى إجراءات قضائية بديلة، وذلك عبر تقديم دعاوى أمام محكمة البداية مدعمة بشهود، ثم مراجعة القاضي العقاري لإصدار قرار يحول بعده إلى السجل لإصدار سند ملكية. هذه الآلية، على الرغم من قانونيتها، تتطلب وقتاً أطول وتزيد العبء على المحاكم والدوائر العقارية على حد سواء.

أشار الناشط المدني عبد الله الحسين، من سكان دير الزور، في حديث لمنصة سوريا 24، إلى أن سوريا تعد واحدة من أربع دول فقط في العالم، إلى جانب إنكلترا والنمسا وتركيا، ما زالت تعتمد النظام العقاري القديم، الذي يعتمد على التوثيق المتعدد: سند ملكية بحوزة المالك، وسجل في مديرية العقارات بالمحافظة، ونسخة في الإدارة العامة بدمشق، وسجل رابع في الناحية أو المدينة التابعة. وأضاف: "ورغم دقة هذا النظام في تثبيت الحقوق، فإن تضرر السجلات المحلية، كما في دير الزور، يفقد جزءاً كبيراً من قيمته العملية".

أوضح الحسين أن النظام السابق أصدر قراراً بإيقاف العمل في السجل العقاري بمحافظات متضررة، من بينها دير الزور، بذريعة إعادة الإعمار الشامل. لكن المشروع لم ينفذ، بل ترك الملف معلقاً، في حين استغل بعض الأطراف المقربة من الأجهزة الوضع لشراء عقارات بأسعار زهيدة عبر سماسرة، قبل أن ينسحبوا لاحقاً مع تغير الظروف الميدانية، وفق كلام الحسين.

وبشأن الحلول الحالية، أكد الحسين أن مبادرة المديرية الجديدة، المتمثلة في إجراء كشف ميداني على العقارات لتحديد موقعها الجغرافي واسم المنطقة ورقم السجل إن وجد، تعد خطوة إيجابية. وشرح أنه وفقاً للإجراءات القانونية، يحق لأي مواطن فقد سند ملكيته رفع دعوى أمام محكمة البداية مدعمة بشهود، ثم يحال القرار إلى القاضي العقاري، ليصدر بعدها قرار يوجه إلى السجل لإصدار سند جديد. وأضاف أن هذه الآلية، رغم تعقيدها، قد تسهم في حل مشكلات عدد كبير من المواطنين الذين فقدوا وثائقهم.

أوضح الحسين أن جزءاً من السجلات لم يدمر جراء القصف فحسب، بل نقل قسم منها إلى الميادين من قبل تنظيم داعش، ثم أحرق بعضها، ونتيجة لذلك، لا يمكن للدائرة التصديق على طلبات تسجيل أو تصحيح بيانات العقارات التي كانت موثقة في تلك السجلات المحروقة، إلا بالرجوع إلى أصل السجل، وهو غير متوفر، أو اللجوء إلى الإجراءات القضائية البديلة.

على الرغم من كل هذه التحديات، بدأت خطوات عملية لإعادة تفعيل العمل، منها انتهاء منظمة دولية من تأهيل الطابق الأول من مبنى المديرية في تشرين الأول 2025، وبدء شعبة السجلات الملكية مزاولة مهامها جزئياً. كما سبق ذلك تأهيل المبنى كاملاً (الطابق الأرضي والأول والثاني) في نيسان 2025. واستؤنف توثيق عقود وضع وترقين الإشارات، وفقاً لقانون السجل العقاري والتعليمات التنفيذية.

إحدى المبادرات التي أطلقتها المديرية مؤخراً هي إجراء كشف ميداني على العقارات المتنازع عليها أو غير المسجلة، بهدف توثيق موقعها الجغرافي، واسم المنطقة، ورقم السجل، إن وجد. وتعتبر هذه الخطوة، رغم محدوديتها، مدخلاً لإعادة بناء جزء من السجل المفقود، خصوصاً إذا ربطت بقاعدة بيانات موحدة مستقبلاً.

مع ذلك، لا تزال المديرية تعاني من نقص في الكوادر المؤهلة، وعدم وجود نظام رقمي لحفظ السجلات أو استعادتها. ولا توجد حتى الآن خطة وطنية شاملة لاسترجاع السجلات المفقودة، سواء عبر استنساخها من مديريات أخرى، أو عبر تأسيس أرشيف احتياطي مركزي يجنب تكرار الانهيار الوثائقي في حالات طارئة مماثلة.

يبقى أن غياب جزء كبير من السجلات العقارية لا يشكل عائقاً إدارياً فحسب، بل يؤثر على وضوح الملكية، ويصعب حل النزاعات، ويقلل من فرص الاستثمار العقاري، في ظل غياب الضمانة القانونية الكاملة للملكية. ويبقى الحل المعتمد حالياً، عبر المحاكم والشهود، هو الوسيلة الأقرب تطبيقاً، رغم بطئه وتكلفته، لحين استكمال البنية التحتية القانونية والتقنية المطلوبة.

مشاركة المقال: