الخميس, 19 يونيو 2025 11:15 PM

روسيا تعرض وساطة لنقل اليورانيوم الإيراني: هل تنجح في كسر عزلتها واستثمار الصراع الإسرائيلي الإيراني؟

روسيا تعرض وساطة لنقل اليورانيوم الإيراني: هل تنجح في كسر عزلتها واستثمار الصراع الإسرائيلي الإيراني؟

شادي طنوس منذ فجر 13 حزيران/يونيو 2025، لا شيء يعلو على صوت الصواريخ والمسيّرات وصفارات الإنذار بين إسرائيل وإيران. بعد سنوات من المناوشات وجولات التصعيد، بات العالم ومنطقة الشرق الأوسط أمام حرب شرعية، حرب حتى الآن لا يبدو فيها الحسم إلّا عسكرياً، أمّا التفاوض فكان على الأرجح "الخرطوشة" الأخيرة!

مع مرور أسبوع على "الأسد الصاعد" و"الوعد الصادق 3"، تغيب الوساطات الدولية بالرغم من الجهود المكثّفة من دول الإقليم وصنع القرار لاحتواء التصعيد قبل جرّ المنطقة الغارقة في الأزمات إلى حرب طويلة شاملة.

فلاديمير بوتين، الرئيس الروسي الذي يخوض حرباً منذ أكثر من 3 سنوات على أوكرانيا وفشلت الوساطات حتى الآن في وقفها، يقدّم نفسه وسيطاً بين إيران وإسرائيل. مبادرة أعلن عنها الكرملين باستعداد موسكو للتوسّط في الصراع، مشيراً إلى أن الاقتراحات السابقة لتخزين اليورانيوم الإيراني في روسيا لا تزال مطروحة، ولكن "اندلاع الأعمال القتالية زاد الوضع تعقيداً".

هذا الطرح وضعته روسيا على الطاولة لعلّه يكون مدخلاً للتهدئة مع حرب تتصاعد. فهل يمكن لروسيا أن تكون الوسيط؟ وهل من مكاسب لموسكو منه؟

تفاصيل الاقتراح… وتنديد روسي لم يأتِ الاقتراح من عدَم، إذ إنّه يستند إلى تجارب سابقة، منها الاتّفاق النووي عام 2015 حين نُقل أكثر من 8 أطنان من اليورانيوم الإيراني إلى روسيا، ومبادرة مماثلة طُرحت عام 2010 في عهد الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما ولم تكتمل.

طرحت روسيا اقتراحاً من 4 نقاط:

  • نقل اليورانيوم العالي التخصيب من إيران إلى روسيا.
  • تحويل اليورانيوم داخل منشآت نووية روسية إلى وقود مخصص لمفاعلات مدنية.
  • وضع العملية تحت رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA).
  • استخدام الاقتراح كورقة تفاوضية في أي مفاوضات نووية مستقبلية.

وفق تقرير الطاقة الذرية في 17 أيار/مايو 2025، كشفت عن أن إجمالي المخزون من اليورانيوم المخصّب في إيران (بما في ذلك مستويات عدّة: 2%، 5%، 20% و60 %) يقارب 9,247.6 كلغ.

مع الإدانة الروسية للضربات على إيران، رأى المتحدّث باسم الكرملين ديميتري بيسكوف أن "الجانب الإسرائيلي لا يُبدي اهتماماً بالسعي إلى تسوية سلمية". فهل يُكتب النجاح لهذا الاقتراح أمام كل هذا المشهد؟

شراكة استراتيجية فقط… اتّخذت روسيا زمام المبادرة انطلاقاً من الصداقة التي تجمعها مع البلدين، فبينها وبين إيران معاهدة شراكة استراتيجية شاملة وقّعها بوتين ونظيره الإيراني مسعود بزشكيان منتصف كانون الثاني/يناير الماضي، إلّا أن موسكو غير ملزمة فيها بتقديم دعم عسكري مباشر لطهران وسط حربها مع تل أبيب.

ولا يغيب الدور الإيراني في الحرب الروسية – الأوكرانية، عبر مسيّرات "شاهد"، إلى جانب الدعم التقني والتكنولوجي. فماذا قد يضيف "اقتراح اليورانيوم؟" علاقة إيرانية – روسية متينة وتعاون عميق قد يطوّر الشراكة الاستراتيجية!

وعلى الرغم من هذه العلاقة الوثيقة مع طهران، حافظ بوتين على علاقته مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع مراعاة مصالح تل أبيب. وبنى البلدان علاقة ساعدت في معالجة قضايا عدّة، كان من أبرزها الملف السوري، وفق وكالة "أسوشيتد برس".

"صانع سلام" بين جبهة نتنياهو ومعه الرئيس الأميركي دونالد ترامب التي تجرّ إيران إلى المفاوضات بعد استسلامها، تسعى روسيا في دور "الوسيط" إلى إراحة إيران، وبالتالي ضمان مصالح كل الأطراف على قاعدة "عدم الخسارة" للطرفين، فحماية الاستقرار الإقليمي مصلحة استراتيجية لها.

في أولويّاتها، لا شكّ بأن روسيا تريد من دور الوسيط هذا أن يعيدها إلى الساحة العالمية كشريك أساسي في الديبلوماسية بعد عزلة بسبب الحرب في أوكرانيا.

في طرحها التفاوضي، تساعد روسيا حليفتها إيران بتخفيف الضغط الدولي عليها. ولكن لأطراف عدّة وعلى رأسها الولايات المتحدّة وإسرائيل، قد تعتبر هذه الخطوة تأجيلاً موقتاً للتصعيد، إذ يُبقي على البنية التحتية النووية الإيرانية واحتمال العودة للتخصيب، مع غياب حل مستدام. وإذا اعتبرت إسرائيل هذا الاقتراح محاولة لكسب الوقت، فقد تُسارع لضرب ما تبقّى من منشآت التخصيب قبل نقله إلى روسيا.

عن صورتها الديبلوماسية، في حال نجاح وساطتها، ستكون موسكو في موقع "ضامن الأمن وصانع سلام" فتعزّز حضورها التفاوضي، ويؤكّد روايتها كبديل من الهيمنة الأميركية على الملفّات الشائكة الكبرى، وبالتالي تكريس نظام عالمي متعدّد الأقطاب انسجاماً مع الرؤية الروسية – الصينية.

أوكرانيا… "المكسب الاستراتيجي الأكبر" لا يبتعد الملف الأوكراني بكل تعقيداته عن الطرح الروسي، فتحاول روسيا من خلال تركيز الغرب على الشرق الأوسط تحويل الأنظار وتقليص الاهتمام عن الحرب على أوكرانيا، ما يسمح لها بالتحرّك ميدانياً بحرّية أكبر، فتعرض روسيا تسويات في إيران مقابل نفوذ في أوكرانيا.

يرى الأوروبيّون بالتحديد أن موسكو تسعى لتخفيف عزلتها من بوابة الشرق الأوسط، فتستخدم الملف الإيراني لتقويض الضغوط عليها في أوكرانيا.

في المقابل، ورغم استعدادها للوساطة، تستفيد موسكو كثيراً من عدم استقرار الوضع واستمرار الحرب، فتؤدّي إلى ارتفاع أسعار النفط العالمية، ما يدفّق المليارات على الخزينة الروسية، فتكون قادرة على إنفاق المزيد على أسلحتها وعتادها في خضم الحرب مع كييف.

تحدّي "عدم الثقة": الحلفاء قبل الخصوم! أدّت العمليات العسكرية على المنشآت الإيرانية لتعقيد الأوضاع وصعّبت فرص تنفيذ الاقتراح الروسي حتى الآن.

"عدم الثقة"، موقف يُحيط بإيران وروسيا، إذ إن الغرب يُبدي بوضوح عدم ثقته بإيران نتيجة ملفّات عدّة من تمدّدها عبر جماعاتها، فضلاً عن النظام الحاكم وتخصيب اليورانيوم للاستحواذ على القنبلة النووية. أمّا الموقف الأوروبي فسلبي من روسيا، إذ شكّكت فرنسا والاتحاد الأوروبي في حيادية روسيا كوسيط.

إيران التي نفّذت هذا الاقتراح عام 2015، ربّما تعتبر موافقتها تحت النار تنازلاً وإذلالاً، فماذا سيكون موقف الداخل الإيراني النهائي منه؟ إيران التي شهدت على سقوط أهم حليف لها في 8 كانون الأول/ديسمبر، بشار الأسد، يدور في سراديبها تخوّف من "تخلّي" روسيا عنها فتلقى مصير الأسد الهارب. وهنا تأتي الاستفهامات من الحلفاء قبل الخصوم!

إلّا أنّ صحيفة "واشنطن بوست" تحدّثت في تقرير لها بأنه "مع توسّع الهجمات الإسرائيلية في إيران، تتزايد المخاوف في موسكو من أن تؤدي الضربات إلى تغيير النظام في طهران، وخسارة حليف آخر في الشرق الأوسط". فبين الرؤيتين مصالح، والسياسة مصالح، والمصالح تضمن الاستمرارية!

من السياسة إلى اللوجستيات، فإن نقل مواد نووية عالية الخطورة يتطلّب ضمانات أمنية استثنائية ومراقبة صارمة، مع الموقف الواضح من روسيا حتى الآن، وبالتالي إن لم تُشرف الوكالة الذرية مباشرة على النقل والمعالجة، فلن يُعترف بالطرح دولياً. هذا كلّه مع خشية من فكرة نقل إيران نشاطها النووي إلى مواقع روسية بعيدة عن الرقابة.

نجاح هذا الطرح لن يكتمل من دون اتفاق ثلاثي الأطراف بين طهران وموسكو وواشنطن، وبرعاية دولية، فيكون بنداً ضمن اتّفاق شامل يوقف إطلاق النار. ويبقى السؤال: مع انحياز واشنطن للطرف الإسرائيلي، هل يُعطى ضوء أخضر أميركي للاقتراح الروسي، فيكون باباً لصفقة في أوكرانيا؟

أخبار سوريا الوطن١-النهار

مشاركة المقال: