في حديث لـ "النهار"، يستهل المؤرّخ والمحاضر في علوم السياسة، الدكتور روي كاساغراندا، حديثه عن شغفه بتاريخ الشرق الأوسط قائلاً: "هدفي الدائم يتمثل في إزالة النسيان عن القصص والشعوب التي تجاهلها التاريخ، لذا أسعى إلى سرد حكايات أولئك الذين جرى تهميشهم وإقصاؤهم من السرد التاريخي الرسمي".
ويشير كاساغراندا، الذي يزور دبي لإلقاء محاضرة في متحف المستقبل عن تاريخ محمد الفاتح، إلى أهمية هذا السلطان العثماني الشاب ودوره في تغيير ملامح التاريخ بفتح القسطنطينية. ويضيف: "الفكرة المحورية ليست إعادة سرد الماضي فقط، بل استخلاص العِبر التي يمكن أن تنير طريق المستقبل، فالتاريخ هو الأساس الذي نقف عليه لفهم واقعنا، وهو بمثابة تحذير: لا تكرّر الأخطاء ذاتها".
وعن سبب اختياره إمارة دبي لزيارته الطويلة بهدف الإعداد لأبحاثه ومحاضراته، يجيب كاساغراندا: "ما تفعله الإمارات هو أنها ترسم لنفسها موقعاً كدولة شابة، بتعداد سكاني محدود، ولكنها تحتضن مجتمعاً دولياً، وتسعى لأن تكون من أبرز قادة التطوّر التكنولوجي، عالمياً".
ويعقد كاساغراندا مقارنة بين دبي والبندقية في إيطاليا، قائلاً: "تشبه مكانة الإمارات المعاصرة جمهورية البندقية الهادئة – المركز التجاري والثقافي الأهم في أوروبا في العصور الوسطى، فالإمارات تشبهها في الحجم الجغرافي، لكنها ضخمة من حيث التأثير، إذ تؤدّي دوراً استراتيجياً، وتبني مشروعاً حضارياً يرتكز على الابتكار والتاريخ معاً".
ويوضح شغفه بالبحث في تاريخ الشرق الأوسط السياسي قائلاً: "عندما كنت في التاسعة عشرة من عمري، لفتني أمر غريب. كنت مولعاً بالتاريخ منذ الصغر، وكنت أقضي وقتاً طويلاً مع مجموعة من الأصدقاء في دراسة التاريخ الروماني وتاريخ الحرب العالمية الثانية. لكنني أدركت فجأة أنني لا أعرف شيئاً تقريباً عن الفترة الممتدة من عام 476 ميلادي حتى 1492. وكأن هناك فجوة تاريخية تمتد لألف عام".
ويضيف أنه توجه حينها إلى المكتبة حيث عثر على كتاب للمؤرخ البريطاني السير جون باغوت غلوب عن التاريخ العربي: "استعرت الكتاب وقرأته، فدُهشت من روعة القصص التي يرويها. شعرت بأن هذه الحكايات تستحق أن تُروى وتُعرف".
ويشير كاساغراندا إلى أنه لم يكن يتوقع أن يصبح شخصية معروفة أو أن يكون له جمهور، قائلاً: "الدافع كان شغفي الشخصي. أردت على الأقل أن أتعلم هذه القصص بنفسي. ثم أصبحت أستاذاً جامعياً، فقلت: على الأقل أستطيع أن أعلّم هذه القصص لطلابي". ويؤكد أن الثقافة العربية بطبيعتها ثقافة سردية، شارحاً: "أعتقد أن الخطوة الأولى هي استعادة هذا الجانب الأصيل من ثقافتنا، والعودة إلى رواية القصص من جديد، الثقافة العربية أيضاً هي ثقافة فلسفية بامتياز. إذا نظرنا إلى العصر الذهبي الإسلامي، نجد فلاسفة كُثراً، كل واحد منهم بنى على من سبقه، وارتقى بالفكر الإنساني إلى مستويات جديدة".