الخميس, 20 نوفمبر 2025 02:26 AM

زيارة وفد سوري إلى كييف: تحول في الدبلوماسية وانفتاح على العلاقات الدولية

زيارة وفد سوري إلى كييف: تحول في الدبلوماسية وانفتاح على العلاقات الدولية

تُمثل الزيارة الأولى لوفد رسمي سوري إلى أوكرانيا نقطة تحول مهمة في مسار الدبلوماسية السورية الجديدة. لا تقتصر أهمية هذه الزيارة على توقيتها وحساسية الملف الأوكراني على الصعيد الدولي، بل تتعداها إلى الرسائل السياسية التي تحملها هذه الخطوة تجاه القوى الدولية والإقليمية.

فبعد فترة طويلة من الجمود في العلاقات الدولية، تأتي هذه الخطوة كإشارة إلى انفتاح سياسي مدروس تجاه دولة تشهد صراعاً دولياً معقداً. يعكس هذا التحرك ثقة متزايدة لدى دمشق في قدرتها على إعادة تموضعها وتعزيز حضورها الخارجي من خلال تبني مقاربة أكثر توازناً ومرونة. وقد أظهرت القراءة الرقمية للتفاعل العام على منصات التواصل الاجتماعي اهتماماً كبيراً بالزيارة، حيث اعتبرت حدثاً "مفاجئاً" وواسع الصدى.

تكمن أهمية الزيارة في أنها تأتي في سياق التعافي التدريجي للدور السوري الخارجي. فبعد سنوات من العزلة التي فرضها النظام البائد والدخول في صراعات واستقطابات إقليمية، اختارت دمشق العودة إلى المسرح الدولي من خلال الانفتاح على ملفات ذات طابع إنساني واقتصادي وأمني. ويتضح ذلك من خلال طبيعة الوفد المشارك الذي ضم وزيري الطوارئ والزراعة، في رسالة مباشرة تؤكد أن البعد الإنساني–الغذائي والأمني يمثل محور الأولويات في الدبلوماسية السورية خلال المرحلة المقبلة.

من جهة أخرى، يعكس تجاوز الحساسيات السياسية المرتبطة بالاصطفافات الدولية في الحرب الأوكرانية، والتقارب مع كييف بخطوة رسمية، رغبة سورية واضحة في توسيع شبكة علاقاتها ضمن مقاربة تقوم على مبدأ "التوازن وعدم الارتهان". وهذا يسمح لدمشق بإعادة صياغة حضورها في القضايا الدولية بعيداً عن منطق المحاور، وهو أحد الملامح الأساسية للدبلوماسية السورية الجديدة. فالزيارة بحد ذاتها تعزز استقلال القرار السياسي، وتثبت قدرة دمشق على التحرك وفق ما تراه مناسباً لمصالحها الوطنية بغضّ النظر عن الضغوط أو التوقعات.

أما على المستوى العملي، فإن الملفات التي يتوقع مناقشتها الوفد السوري، مثل الأمن الغذائي والتبادل الزراعي وإدارة الأزمات والطوارئ، تؤكد أن الزيارة تستند إلى أهداف تنفيذية واضحة وليست مجرد رسالة سياسية. وتعتبر أوكرانيا إحدى الدول الأساسية في إنتاج الحبوب عالمياً، مما يجعل التعاون الزراعي معها فرصة استراتيجية لسوريا في مرحلة تحتاج فيها دمشق إلى تعزيز أمنها الغذائي وتنويع مصادره. كما أن تطوير قنوات تواصل مع دولة تمتلك خبرة واسعة في إدارة الكوارث والأزمات يمكن أن يمثل مكسباً إضافياً للقدرات الوطنية السورية.

على الرغم من وجود بعض الأصوات الساخرة أو المشككة في أهمية الخطوة، كما أظهر التفاعل الرقمي، إلا أن غالبية الآراء والتفاعلات اتجهت إلى النظر للزيارة بوصفها خطوة إيجابية في سياق الانفتاح السياسي وإعادة بناء العلاقات الدولية لسوريّة. وهذا مؤشر مهم إلى أن الشارع السوري بدأ يتفاعل بإيجابية مع التحركات الدبلوماسية الهادئة التي تركز على الملفات الاقتصادية والإنسانية.

في المحصلة، تشكل زيارة الوفد السوري إلى كييف بداية لمسار دبلوماسي أوسع، يؤكد أن سوريا تدخل مرحلة جديدة من مقاربتها للعلاقات الدولية، قائمة على المرونة والواقعية وتغليب المصالح الوطنية. إنها خطوة صغيرة في الشكل، لكنها كبيرة في دلالاتها واستحقاقاتها، وتفتح المجال لإعادة تأهيل موقع سوريا كفاعل متوازن قادر على إدارة شبكة علاقات متعددة الاتجاهات، بعيداً عن الاصطفاف، وانطلاقاً من منطق الدولة ومصالح شعبها.

الوطن

مشاركة المقال: