السبت, 20 سبتمبر 2025 04:59 PM

سوريا 24 ترصد: الإنترنت في سوريا.. كلفة باهظة، تغطية متفاوتة، ومعاناة مستمرة

سوريا 24 ترصد: الإنترنت في سوريا.. كلفة باهظة، تغطية متفاوتة، ومعاناة مستمرة

يرصد تقرير لـ "سوريا 24" واقع خدمات الإنترنت في مختلف المحافظات السورية، بالاعتماد على شهادات من السكان ومزودي الخدمة المحليين، مع توثيق الفجوة الكبيرة بين المناطق من حيث التغطية والتكلفة والجودة. يقدم التقرير تغطية شاملة للتحديات اليومية التي يواجهها السوريون للحصول على خدمة إنترنت مستقرة، في ظل بنية تحتية متهالكة وخيارات مكلفة.

تعاني سوريا منذ سنوات من مشكلات متكررة في قطاع الاتصالات والإنترنت، حيث تتوزع الخدمات بين عروض حكومية رسمية ذات جودة ضعيفة، وبدائل محلية وإقليمية ظهرت لسد النقص في بعض المناطق. يسلط هذا التقرير الضوء على أنواع الإنترنت المتاحة في المحافظات السورية، مع رصد تكاليفها وجودتها بناءً على آراء السكان ومزودي الخدمة المحليين.

دمشق وريف دمشق

في العاصمة دمشق، تتوفر خدمات الإنترنت على نطاق أوسع مقارنة بالمحافظات الأخرى، حيث يعتمد معظم السكان والمؤسسات على خدمة النطاق الثابت (ADSL) التابعة للمؤسسة السورية للاتصالات، على الرغم من محدودية سرعتها وتفاوت جودتها بين الأحياء. كما تنتشر تغطية شبكات الهاتف المحمول من الجيلين الثالث والرابع، لكن تكلفة باقات الإنترنت المرتفعة دفعت الكثيرين للبحث عن بدائل أرخص. تتنوع خدمات الإنترنت بين الإنترنت الأرضي (ADSL) عبر الكابلات النحاسية القديمة التي تؤثر على الجودة، والإنترنت عبر شبكات الهواتف المحمولة (سيريتل و MTN)، في حين بدأت تجربة بوابات "الفايبر" في مناطق محدودة، لكنها لم تصبح خدمة واسعة الانتشار بسبب تكلفتها العالية.

تقول هناء عدنان، وهي طالبة جامعية في دمشق، إنها تنفق أكثر من 200 ألف ليرة سورية شهرياً لشراء باقات من شركة سيريتل لاستخدامها في الدراسة. وتضيف: "هذا المبلغ كبير جداً بالنسبة لي، ورصيد الباقة ينفد بسرعة بسبب كثرة التحميل". لم يكن أمام هناء خيار تركيب شبكة هوائية بسبب تكلفتها الباهظة، حيث توضح أن "الاشتراك الأولي يصل إلى 150 دولاراً، ثم فاتورة شهرية بحدود 180 ألف ليرة لسرعة 4 ميغابايت، وهو مبلغ لا يمكن لطالبة تحمله".

تصل قيمة الاشتراك الشهري في إحدى شركات الاتصال الهوائي في ريف دمشق، حسب الحجم والسرعة، إلى:

  • 1 ميغابايت: 80 ألف ليرة سورية
  • 2 ميغابايت: 120 ألف ليرة سورية
  • 4 ميغابايت: 250 ألف ليرة سورية
  • 8 ميغابايت: 450 ألف ليرة سورية
  • 16 ميغابايت: 625 ألف ليرة سورية

وقد تختلف الأسعار من شركة إلى أخرى.

أما في ريف دمشق، فيختلف الوضع بين المناطق القريبة من العاصمة التي تستفيد من تغطية جيدة، والمناطق النائية التي يقتصر فيها الاعتماد غالباً على باقات البيانات الخلوية أو حلول محدودة. ورغم الإعلان عن مشاريع حكومية لتوسيع الألياف الضوئية (الفايبر)، إلا أن التنفيذ لا يزال محدوداً جداً، فيما يبقى ضعف السرعة والانقطاعات أبرز ما يعانيه السكان. أما خدمة "ستارلينك" عبر الأقمار الصناعية، فتبقى مرخصة لفئات محدودة. إذ أوضحت الهيئة الناظمة للاتصالات لـ "سوريا 24" أن الخدمة مخصصة للجهات الحكومية والمنظمات والسفارات وبعض الحالات الاستثنائية، وتُستخدم بشكل أساسي في الطوارئ، مع وجود خطط مستقبلية لتوسيع شريحة المستفيدين.

إدلب شمال سوريا

في محافظة إدلب، يعتمد معظم مزودي الخدمة على خطوط تركية قادمة من مؤسسة البريد التركي، حيث يجري تحويلها لاحقاً إلى خدمة هوائية وتوزيعها عبر الشبكات اللاسلكية. وبحسب أحد المزودين، فإن تكلفة الخط الواحد على المزود تتراوح بين 2.5 و 3 دولارات للميغابايت نتيجة الضرائب والرسوم، ليُعاد بيع الخدمة وفق تسعيرة متدرجة:

  • 1 ميغابايت: 5 دولارات
  • 2 ميغابايت: 8 دولارات
  • 3 ميغابايت: 10 دولارات
  • 5 ميغابايت: 15 دولاراً

ويضاف رسم ثابت بقيمة 3 دولارات على كل اشتراك. ورغم أن الأسعار أقل نسبياً مقارنة ببعض المحافظات، إلا أن المستخدمين يشتكون من ضعف السرعة وبطء الخدمة، فضلاً عن أن السرعات الفعلية غالباً ما تكون أقل بكثير من المعلن. المزود ذاته أشار إلى أن خدمة الإنترنت الفضائي ممنوعة رسمياً في إدلب، رغم تزايد الحديث عنها، فيما يوصف الإنترنت المتداول في حلب أحياناً بـ "الفضائي"، لكنه في الحقيقة نفس الإنترنت الهوائي القادم من تركيا.

حلب.. إنترنت بطيء وتكاليف مرهقة

في مدينة حلب، لا يزال واقع الشبكات هشا ومعقدا. أحد مزودي الخدمة يقول إن الخيارات أمام المستخدمين محدودة بين اتصالات أرضية ضعيفة وإنترنت ADSL بطيء جداً، إضافة إلى شبكات الهاتف المحمول التي عادت تدريجياً لكنها لا تغطي كل الأحياء. الاعتماد الأكبر اليوم على الشبكات اللاسلكية (WiFi Outdoor) التي يقدمها مزودون محليون. غير أن الخدمة تصطدم بضعف البنية التحتية وارتفاع التكاليف، إذ تتراوح الأسعار بين 5 و 7 دولارات لسرعة 1 ميغابايت، وبين 8 و 10 دولارات لسرعة 2 ميغابايت، فيما تبقى السرعات الفعلية أقل بكثير من المعلن. ومع الانقطاع المتكرر للكهرباء، يضطر الأهالي إلى تشغيل تجهيزاتهم عبر الطاقة الشمسية أو "الأمبيرات"، ما يضاعف التكلفة. في الوقت نفسه، تبقى بعض الخدمات مثل "ستارلينك" أو الدفع الإلكتروني الدولي محظورة، ما يحرم المستخدمين من بدائل أكثر كفاءة.

منبج: في منبج، تسيطر شبكة "آرسيل" على سوق الإنترنت، لكنها تواجه انتقادات بسبب ضعف الجودة وارتفاع الكلفة. إذ تبلغ تكلفة باقة بسرعة 9 ميغابايت نحو 30 ألف ليرة، لكن السرعة الفعلية أقل بكثير، خصوصاً في أوقات الذروة. في المقابل، لجأ بعض الأهالي إلى إدخال الإنترنت الضوئي التركي بعد تحرير المدينة، وهو أرخص وأفضل أداء، إذ تتراوح تكلفته بين 15 و 20 ألف ليرة للسرعات نفسها.

الحسكة وشمال شرق سوريا

في الحسكة، تبدو الصورة أكثر تعقيداً بعد توقف الشبكات السورية منذ سنوات. يعتمد السكان على شبكة "آرسيل" العراقية، إلى جانب شبكات "واي فاي" عراقية. إلا أن هذه الشبكات مكلفة ورديئة الجودة، إذ يبلغ سعر الاشتراك الشهري للواي فاي نحو 30 دولاراً، فيما تصل تكلفة الإنترنت الخلوي عبر آرسيل إلى 50 دولاراً. ورغم إعلان آرسيل عن تقديم خدمة 4G، يشتكي المستخدمون من ضعفها وتقطعها المستمر، مع رضا نسبي باعتبارها الخيار الوحيد المتاح.

الرقة

يعتمد سكان الرقة على خيارين رئيسيين: الإنترنت الفضائي الذي توفره بعض الصالات، حيث تُنقل الخدمة إلى القرى عبر محطات إرسال محلية، وهو يمتاز بسرعات مقبولة وكلفة تبدأ من 3 دولارات للحد الأدنى، والخيار الآخر هو شبكة "آرسيل" التي تغطي مساحات واسعة لكنها أضعف نسبياً من الإنترنت الفضائي. وتبقى خدمات الاتصالات التقليدية (سيريتل و MTN) متوقفة منذ أكثر من ستة أشهر، ما يجعل البدائل المحلية المصدر الوحيد.

الإنترنت في الساحل السوري

في مدن الساحل السوري، تتوفر عدة خيارات، أبرزها خدمة الإنترنت الثابت (ADSL) عبر المقاسم الهاتفية، وهي الأكثر شيوعاً رغم بطء السرعة وتكرار الأعطال. كما يعتمد جزء من السكان على شبكات سيريتل و MTN التي توفر الجيل الرابع (4G)، غير أن تكلفة الباقات تبقى عائقاً. إلى جانب ذلك، توفر شركات خاصة مثل LazerNet خدمات الإنترنت اللاسلكي عبر باقات منزلية بسرعات وأسعار متفاوتة، لكنها تتطلب تجهيزات إضافية ولا تغطي جميع المناطق. وعلى المستوى الحكومي، يجري العمل على مشاريع لتحديث البنية التحتية، تشمل تطوير الكابل البحري ومد خط جديد يربط طرطوس بقبرص، بهدف مضاعفة السعة. ورغم هذه المشاريع، لا يزال المستخدمون يواجهون بطئاً في السرعة وعدم استقرار الاتصال مقارنة بالتكلفة.

حمص

في حمص وريفها، يظل الإنترنت محدوداً وضعيفاً بسبب تضرر البنية التحتية خلال الحرب. ورغم وجود بدائل مثل الإنترنت التركي أو الهوائي وحتى "ستارلينك"، إلا أن تكلفتها المرتفعة تحول دون انتشارها. سرعة الإنترنت المتاحة بالكاد تلبي الاستخدامات اليومية العادية، بينما يفاقم انقطاع الكهرباء معاناة السكان.

في حماة

يعتمد سكان ريف محافظة حماة بشكل شبه كامل على الإنترنت الهوائي، نتيجة ضعف خدمة مزود الإنترنت الحكومي، حيث لا تتجاوز السرعات المقدمة سوى الحد الأدنى الذي لا يلبي احتياجات الاستخدام اليومي. المشكلة الأبرز التي تواجه السكان هي الانقطاع المتكرر للإنترنت وضعف الإشارة، إذ قد تنقطع الخدمة لساعات طويلة، أو تعمل بسرعات محدودة جداً، ما يعيق استخدامه لأغراض التعليم والعمل وحتى الترفيه. تتفاوت التكلفة بين 7 و 15 دولاراً شهرياً، بالإضافة إلى تكاليف شراء الأجهزة الخاصة بالاتصال مثل الراوترات وأجهزة التقاط الإشارة، ما يجعل الوصول إلى إنترنت مستقر عبئاً مالياً إضافياً على السكان، خاصة في ظل غياب البدائل الحقيقية.

المحافظات الجنوبية

في القنيطرة، يواجه الأهالي صعوبات كبيرة في الحصول على خدمة مستقرة، إذ إن الخطوط الأرضية ضعيفة جداً. بعض السكان يلجؤون إلى الإنترنت الفضائي عبر أجهزة استقبال محلية، بكلفة تصل إلى 100 دولار للتجهيزات، واشتراك شهري 100 ألف ليرة مقابل 100 غيغابايت. الإنترنت القادم عبر الخطوط الأردنية يُعد الأرخص نسبياً، إذ يمكن تعبئة باقة بحجم 1000 غيغابايت مقابل 12 دولاراً فقط. وفي درعا، يعتمد السكان على الإنترنت الفضائي القادم من الأردن، إضافة إلى "ستارلينك"، باعتباره بديلاً عملياً أمام ضعف الشبكات الرسمية.

السويداء

في السويداء، تتنوع الخيارات بين خدمة ADSL عبر البوابات الأرضية، والإنترنت عبر الألياف الضوئية (Fiber) المنتشر بشكل محدود في المكاتب والمراكز. كما يلجأ بعض السكان إلى "ستارلينك"، لكنه ما يزال مكلفاً. ورغم هذا التنوع، تبقى الجودة المشكلة الأساسية، إذ يشكو الأهالي من بطء الخدمة وعدم استقرارها.

موقف رسمي: وعود بتوسيع الفايبر وترخيص "ستارلينك"

في سياق متصل، قال وزير الاتصالات والتقانة عبد السلام هيكل عبر منصة X إن الوزارة تعمل على تطوير البنية التحتية للاتصالات ومد شبكة الألياف الضوئية (فايبر) إلى جميع المحافظات السورية، مؤكداً وجود خطة لترخيص استخدام خدمة "ستارلينك" في البلاد بشكل رسمي خلال الفترة المقبلة.

المحصلة النهائية:

المشهد في سوريا يكاد يتشابه من الشمال إلى الجنوب: بنية تحتية متهالكة، بدائل محلية باهظة الثمن، وانقطاعات متكررة للكهرباء تجعل الوصول إلى الإنترنت معركة يومية.

مشاركة المقال: