الجمعة, 25 أبريل 2025 06:57 PM

سوريا: بين أزمة الهوية الدينية وتحديات المواطنة.. هل فقدنا المعادلة السحرية؟

سوريا: بين أزمة الهوية الدينية وتحديات المواطنة.. هل فقدنا المعادلة السحرية؟

هاشتاغ – رأي: نضال الخضري عندما تطفو الهوية الدينية على مساحة تفكيرنا نفقد "حلم" المواطنة، فسوريا التي ظهرت فهي نهاية النصف الثاني من القرن العشرين كانت مشروعاً مستحيلاً لولا "بعضٌ" من حلم المواطنة، وكل التقلبات السياسية ابتداء من الانقلابات العسكرية وانتهاء باضطرابات 2011، بقيت ضمن إطار البحث عن الدولة التي تعيش في مساحة معاصرة، والصراع الذي عشناه على مدى عقد ونص بكل مآسيه كان أيضاً محاولة لجعل "الجمهورية الأولى" زمنا مستمرا في تاريخ سوريا.

الدين بوصفه جزءا من الثقافة السورية هو مؤكد، ولكنه في النهاية لم يصبح أداة الحكم؛ لأن الصراع لتأسيس الدول من عام 1919م كان يستلهم صور المواطنة التي تنهي كل الألوان التي سادت في المرحلة العثمانية، فسوريا هي حالة مستحيلة في ظل التصورات التي تضع تراث الإمبراطوريات الكبرى فوق أي اعتبار وطني، فعلى الرغم من أن التصور السياسي لسوري كـ"حدود" كان نتيجة تفاهمات دولية، لكن علاقاتها الداخلية ظهرت من أحلام النخب السياسية لرسم ملامح دولة قادرة على منح مواطنيها الحياة بكرامة.

المسألة السورية ليست فقط حالة جيوسياسية تتم دراستها في دوائر العواصم العالمية الكبرى؛ لأن الحالة العميقة لها مرتبطة بقدرتها على جعل التنوع جزءا من تصورات الحياة، وكسر احتمالات هذه العلاقة المعقدة تمثل حالة طغيان على "الشكل السوري" الذي كان قبل أن تصبح الإمبراطوريات الكبرى في العصور الوسطى الحاكم الفعلي للجغرافيا السورية، وحتى في ظل هذا الطغيان فإن التحكم بسوريا كان مرهونا بتوازن علاقاتها الداخلية التي تفرض عدم التعالي على التنوع الذي تحمله.

مشكلتنا اليوم أننا فقدنا "المعادلة السحرية" لبقاء سوريا منذ الاستقلال، وهذا "الكمين التاريخي" يجعل حالة الاضطراب قاعدة عامة تستطيع جميع الدول النفاذ باتجاهنا، ففقدان القوة لم يكن فقط بقدرة "إسرائيل" على كسر حالة المواجهة؛ بل في انتهاء مفهوم سوريا بوصفها نموذجا قادرا على مواجهة التحديات من عقولنا، فمعرفتنا لم تتشوه فقط بفعل الحرب؛ بل فقدنا أيضاً القدرة على قراءة أنفسنا قراءة مستقلة، ولم نستطع تلمس "النموذج السوري" الذي صمد خارج الإمبراطورية العثمانية في العقود الماضية.

كل مواجهاتنا اليوم تبدو عبثية، ليس لأننا أصبحنا دولة هشة؛ بل لأننا نبحث عن أنفسنا خارج المسارات الواقعية، فالهوية الدينية التي كانت جزءا من دعم التنوع أصبحت حالة دفاع بعد انهيار المواطنة من تفكيرنا، وتبدلت مع هذه الصورة "جمالية" الطقس الديني، وتناثرت العلاقة التي ترسمنا ضمن دورة الحياة السورية إلى تفكير عقيم يعيد تشكيل كل المظاهر التي تجمعنا.

لم تكن سوريا جنة الله على الأرض، ومنذ الاستقلال حتى اليوم كانت المعاناة جزءا من تفاصيل المجتمع، ولم تكن المدن السورية وقراها بجمالية الدول الأوروبية، ولكن الناس على هذه الأرض كانوا قادرين على رسم أحلامهم داخل بلادهم، ومن دون التفكير في أن التهديد سيأتي من تصورهم لأنفسهم، وأنهم سينقلبون على أنفسهم ويخلقون جحيماً خاصاً بهم، فسوريا بوصفها مفهوما هي الأساس الذي يمكن أن نبدأ به لتصبح أحلامنا ممكنة.

مشاركة المقال: