الأربعاء, 1 أكتوبر 2025 04:57 PM

سوريا: تحديات اقتصادية تعصف بالمجتمعات العشائرية والريفية وضرورة تبني رؤية تنموية مستدامة

سوريا: تحديات اقتصادية تعصف بالمجتمعات العشائرية والريفية وضرورة تبني رؤية تنموية مستدامة

عمر عبدالرحمن ـ دير الزور

تعتبر المجتمعات العشائرية والريفية في سوريا جزءاً هاماً من نسيج البلاد، حيث لعبت تاريخياً دوراً أساسياً كمصدر للغذاء والثروات الطبيعية والزراعية. ومع ذلك، تعاني هذه المناطق من إهمال تنموي مزمن، تفاقم بشكل ملحوظ نتيجة الصراع الدائر منذ سنوات، مما أدى إلى تدمير البنية التحتية، وتعطيل سلاسل الإمداد، ونزوح الملايين، الأمر الذي أثر سلباً على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للسكان المحليين.

يعكس المزارع أحمد العلي من ريف دير الزور الشرقي هذا الواقع المرير، حيث صرح لـ"نورث برس" قائلاً: "كنا نزرع القطن والقمح على نطاق واسع، وكانت الأرض تفيض بخيراتها، أما اليوم فالوضع مغاير تماماً". وأضاف: "أسعار المازوت لتشغيل المضخات باهظة، والبذور والأسمدة أصبحت كالذهب. بالكاد نزرع مساحات صغيرة للبقاء على قيد الحياة، والدعم الحكومي تراجع بشكل كبير".

وأشار العلي إلى أن التسويق يمثل تحدياً كبيراً، حيث أن "التاجر الوسيط يحدد السعر دائماً بشكل منخفض، ولا يغطي حتى التكاليف". ولم تقتصر التحديات على القطاع الزراعي فحسب، بل طالت أيضاً الخدمات الأساسية، حيث أوضح العلي أن المستوصف المحلي يعمل بأقل الإمكانيات المتاحة، والأدوية نادرة وباهظة الثمن، والمدارس مدمرة، والكهرباء غائبة منذ سنوات، مما يدفع الشباب إلى الهجرة بحثاً عن فرص أفضل.

من جهتها، سلطت أم أحمد، الناشطة في جمعية نسوية بريف دير الزور الشمالي، الضوء على العبء الأكبر الذي تتحمله النساء في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، خاصة مع هجرة الرجال إلى المدن أو تعرضهم للقتل أو الإصابة. وأوضحت لـ"نورث برس" أن "المجتمع العشائري المحافظ غالباً ما يحد من فرص عمل المرأة خارج المنزل"، مؤكدة أن "تمكين المرأة اقتصادياً ليس ترفاً، بل هو استثمار في مستقبل الأسرة بأكملها".

وأضافت أن التعليم يمثل عنصراً أساسياً لتعزيز فرص النساء في العمل وإدارة المشاريع الصغيرة، مثل تربية الدواجن، والصناعات الغذائية المنزلية، أو الخياطة، إلا أن التسرب المدرسي للفتيات بسبب البعد الجغرافي أو الضغوط الاجتماعية لا يزال يشكل تحدياً كبيراً.

ويرى الناشط أحمد الصالح من ريف دير الزور الشرقي أن الحلول يجب أن تنبع من المجتمع المحلي نفسه، حيث قال لـ"نورث برس": "لا يمكن فرض نموذج تنموي من الخارج. نحن نعمل على مفهوم التنمية المجتمعية حيث يشارك الأهالي في تحديد أولوياتهم". وأضاف أن هذه الرؤية تركز على الاستدامة البيئية والاقتصادية، وتشجيع الزراعة المرنة، والاستثمار في الطاقات المتجددة، بالإضافة إلى استثمار مهارات الشباب في مجالات التكنولوجيا والعمل الرقمي، مما يفتح لهم آفاقاً جديدة ويحد من هجرة الكفاءات من الريف.

وأكد الصالح أن المنظمات غير الحكومية تلعب دوراً مهماً في تقديم الدعم الفني والمالي، وتطوير مهارات الشباب وإيجاد فرص عمل لهم، مشدداً على ضرورة تبني رؤية تنموية شاملة تشمل جميع فئات المجتمع وتستفيد من الموارد المحلية.

ووفقاً للسكان والناشطين، تواجه المجتمعات العشائرية والريفية في سوريا تحديات اقتصادية جمة تعيق تحقيق التنمية المستدامة. ويتطلب الوصول إلى رؤية تنموية شاملة تلبية احتياجات جميع أفراد المجتمع واستثمار طاقاتهم المحلية، التحسين المستمر للبنية التحتية، وتعزيز التعليم، وتوفير فرص عمل مناسبة، والتعاون بين الحكومة والمجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية.

تحرير: معاذ الحمد

مشاركة المقال: