السبت, 25 أكتوبر 2025 09:33 PM

سوريا: زواج المتعة.. كيف تحولت جراح الحرب الخفية إلى استغلال للنساء؟

سوريا: زواج المتعة.. كيف تحولت جراح الحرب الخفية إلى استغلال للنساء؟

عمر عبد الرحمن – دير الزور

في سماء سوريا المثقلة بأعباء الحرب منذ ما يقارب عقد ونصف، لم تكن المعارك وحدها هي من استنزف البلاد وأرهق سكانها، بل فتحت أبواباً لمعاناة أخرى، كان نصيب النساء والفتيات الأكبر منها. من بين الظواهر الأكثر قسوة التي ظهرت في المناطق الخاضعة للفصائل الموالية لإيران، برزت ظاهرة "زواج المتعة"، التي تحولت من عقد ديني مؤقت إلى أداة استغلال بشعة ضد السوريات.

لم يكن هذا الزواج في السياق السوري مجرد اتفاق عابر أو خياراً حراً، بل أصبح وسيلة للإكراه والابتزاز، تمارس في ظله أشكال متعددة من العنف النفسي والجسدي. الفقر واليتم والتهديدات والوعود الكاذبة دفعت الكثيرات إلى القبول به تحت ضغط الحاجة أو الخوف. ومع انحسار نفوذ تلك الفصائل وفرار أغلب الأزواج المؤقتين، ولا سيما الأجانب منهم، وجدت النساء أنفسهن أمام واقع مأساوي: وحدة قاسية، وصمة مجتمعية جارحة، وأطفال بلا هوية قانونية. مجتمع يرى هذا الزواج محرماً وفق تفسيره الديني والعرفي، ليضاعف بذلك آلام الضحايا بدل احتضانهن.

شهادات من عمق المعاناة

تقول سلمى، وهو اسم مستعار لامرأة من دير الزور، لـ"نورث برس": "قبلت من أجل أطفالي، واليوم هم نفسهم من يدفعون الثمن. كنت أرملة ولدي ثلاثة أطفال، لا نملك ما نأكله. رفضت مرات كثيرة، لكن جوع أولادي جعلني أوافق. كان زوجي المؤقت لا يترك فرصة إلا ويهينني، يكرر أنني مؤجرة ولست زوجة. وعندما غادر سوريا تركني وحيدة ومعي طفل منه".

تضيف سلمى بأسى: "ابني الصغير هو أكثر ما يؤلمني. المجتمع لا يرحمه، وإخوته من زوجي الأول يشتمونه أحياناً بألفاظ قاسية. ندامتي ليست على ما فعلت، بل على أن ابني البريء سيعاني بسببي".

أما علياء (30 عاماً)، وهو اسم مستعار لنازحة من حمص تقيم في دير الزور، فتروي قصتها لـ"نورث برس" قائلة: "نزحت مع عائلتي إلى دير الزور التي كانت تحت سيطرة الفصائل الإيرانية. بعد وفاة أخي، جاء أحد المنتسبين لتلك الفصائل وطلب من والدي زواجي زواج متعة لمدة ستة أشهر، مقابل المال والحماية. والدي وافق خوفاً وضعفاً، فتزوجت رجلاً عراقياً بالكاد أفهم لغته. كنت له خادمة، لا أكثر".

وتتابع: "بعد انتهاء المدة رفضت تمديد الزواج، فغادر وترك في بطني طفلاً. أنجبت ابني وسط نظرات الشفقة واللوم من الجميع. ابني بلا أب قانوني، وأنا في نظر المجتمع مذنبة. كل أحلامي انتهت، ولا أملك سوى سؤال يلاحقني: كيف سأواجه طفلي حين يسأل عن أبيه؟"

استغلال منظم تحت غطاء الدين

تقول ناشطة نسوية تعمل مع منظمة دولية في دير الزور لـ"نورث برس": "زواج المتعة في السياق السوري لم يكن ممارسة دينية طبيعية، بل أداة من أدوات الحرب. استخدم كوسيلة لتغيير ديموغرافي، ومكافأة للمقاتلين، وإذلال للمجتمع السوري من خلال استهداف نسائه. كانت هناك شبكات منظمة ومؤسسات ثقافية مزيفة لتلميع هذه الممارسة ومنحها شرعية وهمية".

وتضيف الناشطة التي طلبت عدم ذكر اسمها كونها غير مخولة بالحديث لوسائل الإعلام: "النتائج كارثية. آلاف النساء أصبحن عالقات بلا أزواج ولا حقوق، وأطفال بلا نسب قانوني. هؤلاء يشكلون فئة جديدة من المهمشين، يعانون من التمييز والفقر والنبذ. غياب المحاسبة هو الجرح الأكبر، فالجهات التي مارست الاستغلال خارج سلطة القانون، والمجتمع الدولي لم يتحرك بعد بالشكل المطلوب. يجب توثيق هذه الحالات كجرائم حرب ممنهجة ضد الإنسانية".

أزمة قانونية ونفسية خانقة

من جانبها، تقول الطبيبة والناشطة النفسية مريم صلاح لـ"نورث برس": "الضحايا يواجهن تحديات نفسية وقانونية معقدة. الخوف من الفضيحة يمنع كثيرات من طلب المساعدة، والموارد في سوريا شبه معدومة. نحاول تقديم الدعم النفسي وتسجيل الأطفال رغم الصعوبات القانونية الكبيرة، لأن سوريا لا تعترف بهذا النوع من الزواج. هذا يترك النساء دون نفقة أو حقوق لأطفالهن، بينما المجتمع يضاعف أوجاعهن بنظرات الاتهام".

وتضيف مريم: "نطالب المجتمع الدولي بتمويل مراكز إيواء ودعم قانوني ونفسي للضحايا، وبمحاسبة المتورطين. فالقضية ليست اجتماعية فقط، بل إنسانية في جوهرها".

تكشف معاناة السوريات من "زواج المتعة" عن وجه آخر للحرب، وجه لا يُرى في نشرات الأخبار. فحين تتحول الأجساد إلى ساحات قتال، وتُسرق الكرامة قبل البيوت، يصبح الإنصاف واجباً إنسانياً وأخلاقياً.

تحرير: معاذ الحمد

مشاركة المقال: