في خطوة استراتيجية ذات أبعاد اقتصادية عميقة، تشهد العلاقات السورية الصينية تطوراً ملحوظاً نحو تعاون مكثف يهدف إلى إعادة بناء الاقتصاد السوري بعد سنوات من التحديات. تسعى سوريا من خلال هذه الشراكة إلى جذب الاستثمارات اللازمة لتحريك عجلة التنمية، وتجد في الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، الشريك الأمثل لما تملكه من قدرات مالية وتكنولوجية.
يُسلط الخبير المالي والمصرفي الدكتور عبد الله قزاز الضوء في تقرير لصحيفة "الحرية" على الأبعاد الاقتصادية والسياسية لهذه الشراكة وتأثيراتها الإيجابية على إعادة الإعمار والتنمية في سوريا.
عمق استراتيجي وفرص اقتصادية مشتركة
تُمثل عودة العلاقات التجارية بين سوريا والصين خطوة استراتيجية مهمة على الصعيدين الاقتصادي والسياسي، تعود بالنفع على البلدين. تأتي هذه العودة في وقت تواجه فيه سوريا تحديات اقتصادية كبيرة نتيجة الحرب والعقوبات، ما يجعل الصين شريكاً اقتصادياً قوياً قادراً على دعم الاقتصاد السوري من خلال الاستثمارات وتوسيع التبادل التجاري.
تمتلك الصين القدرة على توفير التكنولوجيا الحديثة والبنية التحتية والتمويل اللازم لإعادة بناء القطاعات الحيوية في سوريا، مثل الصناعة والطاقة والزراعة. في المقابل، تُعتبر سوريا بوابة استراتيجية للصين للوصول إلى الأسواق الشرق أوسطية، مما يجعل تعزيز العلاقات التجارية بين البلدين فرصة لتعميق التعاون الإقليمي وتعزيز مبادرة "الحزام والطريق".
محاور التعاون وآليات التنفيذ
وفقاً للدكتور قزاز، يشمل التعاون الشركات العملاقة والاستثمار في إعادة الإعمار، مع بروز شركات مثل "هواوي" و"سينوبك" و"بي واي دي" كمرشحة لدعم مشاريع الإعمار والنقل الأخضر في سوريا. يفتح هذا التعاون آفاقاً لتحديث الاقتصاد السوري من خلال إدخال تقنيات صينية متقدمة ومعدات أكثر كفاءة وأقل تكلفة.
الاستثمار في المناطق الحرة والبنية التحتية
تم التوقيع على مذكرة تفاهم بين البلدين لتطوير المناطق الحرة في حسياء وعدرا، وبموجبها تحصل الشركات الصينية على حق استثمار مساحات كبيرة لإقامة مناطق صناعية وتجارية متكاملة. تمتد الاتفاقية لمدة 20 عاماً، وتهدف إلى زيادة قدرة هذه المناطق على استقطاب رؤوس الأموال الأجنبية ونقل التكنولوجيا الحديثة، مما يساهم في خلق فرص عمل ورفع حجم التبادل التجاري بين البلدين.
خلق بيئة استثمارية جاذبة
يشير قزاز إلى جهود الحكومة السورية لتوفير بيئة استثمارية تسمح بدخول المزيد من الاستثمارات الصينية المباشرة لدعم التنمية الاقتصادية. من المتوقع أن تشمل مجالات التعاون المستقبلية مشاريع الإسكان والمدارس والمرافق الحيوية والطاقة المتجددة والزراعة الذكية، في إطار نموذج "تمويل- بناء- تشغيل- نقل ملكية" الذي يحظى بتقدير صيني.
تأثيرات اقتصادية ملموسة
يضيف قزاز أن عودة العلاقات تساهم في توفير فرص عمل وحماية الاقتصاد السوري من الانكماش، فضلاً عن فتح آفاق جديدة للصادرات السورية، مما يوفر فوائض في ميزان المدفوعات ويخفف من آثار الركود الاقتصادي. يأتي استئناف هذه العلاقات في سياق رؤية مشتركة تهدف إلى الاستفادة المثلى من الإمكانات الطبيعية والبشرية في سوريا والقدرات المالية والتكنولوجية للصين، مما يعزز فرص التنمية المستدامة ويساهم في إعادة بريق الاقتصاد السوري إقليمياً ودولياً.
نحو شراكة متوازنة ومستقبل مستدام
يخلص قزاز إلى أن عودة العلاقات التجارية بين سوريا والصين تمثل نموذجاً لشراكة متوازنة تضمن استفادة سوريا من الاستثمارات والتكنولوجيا الصينية، مع حماية رأس المال والكوادر الوطنية، في إطار تعاون ينقل سوريا نحو مستقبل أكثر إشراقاً واستدامة.
اخبار سورية الوطن 2_وكالات _الحرية