الإثنين, 11 أغسطس 2025 02:37 PM

سوريا وتركيا ما بعد 2024: تحليل لتصاعد النفوذ التركي وتحديات الاستقرار الإقليمي

سوريا وتركيا ما بعد 2024: تحليل لتصاعد النفوذ التركي وتحديات الاستقرار الإقليمي

القامشلي – نورث برس

بعد سقوط نظام الأسد وصعود أحمد الشرع، برزت تركيا كلاعب أساسي في سوريا، مستفيدة من دعمها الطويل الأمد للمعارضة وتدخلها العسكري المباشر بين عامي 2016 و 2019. ومع التحولات السياسية، وسعت أنقرة نفوذها ليشمل الجوانب السياسية والاقتصادية، وسارعت إلى إعادة العلاقات مع الحكومة الجديدة. تجسد ذلك في افتتاح سفارات وزيارة الرئيس الانتقالي مرتين لأنقرة خلال ثلاثة أشهر، مما رسخ مكانة تركيا كفاعل رئيسي في مستقبل سوريا.

على الرغم من توسيع النفوذ التركي في شمال سوريا من خلال دعم المجالس المحلية والخدمات، تواجه أنقرة تحديات أمنية وديموغرافية، وعلى رأسها ملف الأكراد و"قسد"، بالإضافة إلى تأمين حدودها. تسعى تركيا أيضًا إلى تحقيق توازن في علاقاتها مع واشنطن وموسكو وطهران، وتجنب التصعيد مع إسرائيل، في سياق سعيها لترسيخ دورها وضمان مصالحها دون الانخراط في صراعات أوسع.

أحلام تركيا

يقول خورشيد دلّي، الخبير في الشأن التركي، لنورث برس، إن تركيا رأت في سقوط الأسد فرصة لفرض نفوذها في سوريا، لكن سرعان ما تبين محدودية هذا الدور بسبب الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها تركيا، والرفض الإقليمي والدولي لمشروعها، خاصة من إسرائيل والدول العربية الكبرى كالسعودية ومصر، نتيجة لدعم أنقرة للإسلام السياسي، مما دفع هذه الدول إلى احتضان دمشق والحد من النفوذ التركي. كما أن تعارض الأجندة التركية مع المصالح الأميركية والفرنسية والروسية، خاصة فيما يتعلق بـ"قسد" والسلام مع إسرائيل ودور إيران، زاد من عزلة تركيا.

ويؤكد دلّي أن الضغط التركي على دمشق لإفشال اتفاقها مع قسد يقوض العملية السياسية، بينما تتحول معركة الحكم اللامركزي إلى ساحة تنافس دولي وإقليمي حاد في سوريا.

تحديات إقليمية

يرى مصطفى النعيمي، الباحث والمحلل السياسي، في تصريحات لنورث برس، أن المتغيرات السورية بعد سقوط الأسد أعادت تشكيل التحالفات، حيث ظهرت تفاهمات غير معلنة بين تركيا وإسرائيل رغم التوترات الظاهرة، وسط قلق إسرائيلي من تمدد أنقرة جنوباً. أوروبا بدورها تنظر إلى تركيا كشريك أساسي في احتواء اللاجئين وتقديم الدعم الإغاثي، وتراها جسراً للتعاون مع الحكومة السورية الجديدة، خاصة في مشاريع إعادة الإعمار.

خليجياً، وبحسب النعيمي، تزايدت فرص التعاون التركي-العربي، خاصة مع السعودية وقطر، لدعم الاستقرار الاقتصادي وفتح مسارات تجارية. أما واشنطن، فرغم دعمها السابق لقسد الذي أثار توتراً مع أنقرة، بدأت بالتقارب مع تركيا بعد التغيرات الأخيرة، وقد تراها شريكاً رئيسياً لحل الملفات العالقة في سوريا.

في الصف الأول.. دور لم يتراجع

ويتابع النعيمي بالقول إنه على الرغم من تعدد اللاعبين الدوليين على الساحة السورية، إلا أن دور تركيا في سوريا قد تغير وتكيف مع المعطيات الجديدة على الأرض، بناءً على الوقائع التي فرضها الانتقال من الثورة إلى الدولة، بعد سقوط نظام الأسد في ديسمبر 2024، برزت تركيا كلاعب رئيسي وأساسي في المرحلة الانتقالية بسوريا، بل ويمكن القول إن نفوذها قد تعاظم بشكل كبير.

ويلفت إلى أنه لم يعد الدور التركي مقتصراً على دعم المعارضة، بل أصبح لها وجود عسكري مباشر في شمال غرب سوريا، ومناطق نفوذ واسعة تسيطر عليها فصائل سورية مدعومة منها، كما أنها تسعى لتقوية الشراكة مع الحكومة السورية الجديدة في دمشق، وتعمل على تدريب الجيش السوري الجديد وتقديم الدعم العسكري له، وتشير بعض التقارير إلى إمكانية توقيع اتفاقية دفاع مشترك بين تركيا وسوريا.

ويشدد على أن دور تركيا في سوريا لم يتراجع، بل على العكس، أصبح أكثر بروزاً وتأثيراً بعد سقوط نظام الأسد، ومع ذلك فإن طبيعة هذا الدور قد تغير من مستوى الدعم المطلق للمعارضة إلى لاعب محوري يسعى لإرساء دعائم “سوريا الجديدة” بما يخدم الصالح المشترك من وجهة النظر التركية، ويضيف: “على الرغم من وجود لاعبين متعددين إلا أن تركيا أظهرت قدرة فائقة على التكيف وإدارة التعقيدات، مستفيدة من موقعها الجغرافي وقوتها العسكرية والدبلوماسية، يبقى التحدي الحقيقي لتركيا في المرحلة المقبلة هو كيفية تحقيق التوازن بين مصالحها الأمنية والاقتصادية، وبناء شراكات مستدامة مع الحكومة السورية الجديدة والفاعلين الإقليميين والدوليين، مع الحفاظ على وحدة الأراضي السورية واستقرارها”.

ويؤكد على أن تركيا لم تعد في الصف الثاني، بل أصبحت لاعباً رئيسياً ومهندسًا رئيسيًا للمرحلة الجديدة في سوريا، خاصة بعد سقوط نظام الأسد. هذا الدور المتزايد سيكون له تأثير حاسم على شمال شرق سوريا، حيث من المتوقع أن تشهد المنطقة تحولات جذرية نحو الاندماج مع الإدارة السورية الجديدة، وربما تراجع كبير في نفوذ القوى التي كانت تسيطر عليها في السابق.

إعداد وتحرير : احمد عثمان

مشاركة المقال: