الأحد, 17 أغسطس 2025 07:45 PM

صرخة مزارعي القطن وصناع النسيج: تراجع الإنتاج يهدد الصناعة السورية وخطة شاملة مطلوبة

صرخة مزارعي القطن وصناع النسيج: تراجع الإنتاج يهدد الصناعة السورية وخطة شاملة مطلوبة

في سهول الشيخ أحمد بريف حلب الشرقي، يقف المزارع أبو علي متأملاً بقايا أغصان القطن التي أنهكها الجفاف والآفات. نظراته تعكس قصة محصول استراتيجي، كان يُعرف بـ "الذهب الأبيض" في سوريا، قبل أن تتدهور زراعته بسبب الأزمات.

يقول أبو علي بصوت يائس: "زراعة القطن تواجه تحديات جمة، أبرزها تقليص المساحة المسموح بزراعتها إلى 2% فقط من الخطة الزراعية، علماً أن النسبة المقررة أساساً تصل إلى نحو 40%. تخيل أن تمتلك عشرة هكتارات ولا يسمح لك بزراعة أكثر من دونمين! أي إنتاج يمكن أن نحصل عليه؟".

ويضيف أبو علي، خلال حديثه لصحيفة الثورة، أنه زرع الموسم الماضي ستة دونمات فقط، ولم يحصد منها سوى 150 كيلوغراماً من القطن. ويوضح: "سعر الكيلو 10 آلاف ليرة سورية، لكن تكلفة الإنتاج باهظة جداً، وتسويق المحصول خسارة مؤكدة".

هذه الأرقام ليست حالة فردية، بل تعكس واقع مئات المزارعين. ووفقاً لبيانات الزراعة، تضاعفت تكلفة الهكتار الواحد أكثر من أربع مرات خلال السنوات الخمس الأخيرة، بسبب ارتفاع أسعار المحروقات والأسمدة وأجور العمالة، بالإضافة إلى مصاريف صيانة الآليات وشبكات الري.

ويشير أبو علي إلى أن البذار الموزع حكومياً سيئ النوعية، ما يدفع الكثيرين للجوء إلى بذار مهرب بحثاً عن إنتاج أفضل. كما يصف الدعم الرسمي بـ "المعدوم": "لا محروقات، لا سماد، لا مبيدات حشرية. وعندما نضطر لاستخدام مبيدات ممنوعة لإنقاذ المحصول من الدودة، نلام على ذلك. فماذا نفعل؟".

ويعتبر القطن من أكثر المحاصيل استهلاكاً للمياه، ومع ندرة المياه وارتفاع تكاليف الضخّ من الآبار، تصبح الزراعة شبه مستحيلة. ويؤكد أبو علي: "إذا لم تتوفر المياه، لا يمكن أن نتحدث عن قطن على الإطلاق".

المهندس الزراعي حسن عبد الغفور، يوضح أن نقص المياه نتيجة الجفاف وتراجع مخزون السدود ونضوب الآبار، جعل عملية الري صعبة للغاية، وأن اعتماد بعض المناطق على مياه نهر الفرات أصبح مهدداً مع انخفاض منسوب النهر.

ويقترح أبو علي خطوات لإنعاش زراعة القطن، منها: تطبيق الخطة الزراعية المقررة، والسماح بزراعة 40-50% من المساحات بدلاً من 2-3% فقط، ودفع المستحقات في وقتها، وتوفير مستلزمات الإنتاج عبر المصرف الزراعي.

ويرى مزارعون آخرون أن إعادة تفعيل دور الجمعيات الفلاحية يمكن أن يكون خطوة عملية، شرط أن تمنح صلاحيات توفير المستلزمات وشراء المحصول وتسويقه.

مدير مكتب القطن، الدكتور محمد معري، أوضح أن المكتب يقوم بمهام متعددة، تبدأ بمتابعة إنتاج البذار الزراعي وإكثاره، ثم توزيعه وتسليمه للمزارعين، والإشراف على متابعة حالة المحصول، وجمع الإحصائيات المتعلقة به.

كما يتابع المكتب عمليات القطاف والتسليم للمحالج، مروراً بفرز القطن ومراقبته أثناء مراحل الحلج، وصولاً إلى إصدار التراخيص اللازمة للنقل والتصدير والاستيراد، بالإضافة إلى الدور الإرشادي من خلال تنفيذ نشاطات تستهدف المزارعين.

وحول الخطة الزراعية، كشف معري أن المساحة المخططة للزراعة في عام 2025 بلغت 41,452 هكتاراً، إلا أن المساحة الفعلية لم تتجاوز 25,904 هكتارات.

وأشار د. معري إلى أن أهم التحديات التي واجهت تنفيذ الخطة كانت حالة الجفاف وقلة مياه الري، مبيناً أن الأصناف المعتمدة للزراعة هي: حلب 118، حلب 124، دير الزور 22، الرقة 5، وحلب 90.

وفيما يتعلق بمستحقات الفلاحين، أوضح د. معري أن المؤسسة العامة لحلج وتسويق الأقطان هي الجهة المخولة بالشراء والصرف، وأن التأخير الذي حصل في الموسم الماضي كان نتيجة أمور مالية خارجة عن إرادة المؤسسة.

تكشف البيانات الرسمية عن تراجع حاد في إنتاج سوريا من القطن، إذ انخفض من 750 ألف طن عام 2011 إلى أقل من 14 ألف طن عام 2024، وتقلصت المساحات المزروعة من 250 ألف هكتار إلى أقل من 35 ألف هكتار.

المهندس حسن عبد الغفور يحدد أبرز الأسباب: شح المياه، وغياب الدعم اللوجستي والإداري، وارتفاع تكاليف الزراعة، وانتشار الحشرات والأمراض، وتأخر دفع مستحقات الفلاحين.

عدد من الصناعيين حذروا من أن تراجع إنتاج القطن يعني انكماش سلسلة إنتاج كاملة، وقد يضطرون لاستيراد القطن بأسعار مضاعفة، ما سيؤدي إلى توقف بعض المعامل وتسريح آلاف العمال.

ويطالب المزارعون والصناعيون الحكومة بخطة إنقاذ عاجلة تتضمن: زيادة المساحات المسموح بزراعتها، وتوفير البذار المحسن والمبيدات والمياه بأسعار مدعومة، ودفع المستحقات فور التسليم، وإعادة تأهيل شبكات الري، وتفعيل دور الجمعيات الفلاحية.

المزارع أبو أحمد، يلخص المشهد: "إذا لم تغير الحكومة نظرتها لمحصول القطن، سنصل لمرحلة لا نجد فيها ولو بذرة واحدة في أرضنا".

مشاركة المقال: