الجمعة, 5 سبتمبر 2025 10:57 PM

صندوق التنمية السوري: استراتيجية جديدة نحو الاعتماد على الذات واستعادة القرار الاقتصادي

صندوق التنمية السوري: استراتيجية جديدة نحو الاعتماد على الذات واستعادة القرار الاقتصادي

في خضم التحولات التي تشهدها سوريا ما بعد التحرير، يبرز "صندوق التنمية السوري" كمبادرة استراتيجية تتجاوز التمويل التقليدي، ليصبح أداة وطنية فاعلة في إعادة التوازن للاقتصاد، وتحفيز الاستثمار المحلي، وتعزيز دور المواطن كشريك أساسي في التنمية وإعادة الإعمار. هذه المبادرة تلتقي مع الطموحات الشعبية والسياسات الرسمية في صياغة نموذج اقتصادي وطني متوازن يقوم على الشراكة المجتمعية.

ما يميز صندوق التنمية، الذي بدأ نشاطه في معظم المحافظات السورية، هو أنه ليس مجرد أداة مالية لتمويل مشروعات تنموية محدودة، بل هو إطار استراتيجي شامل يهدف إلى توجيه الموارد نحو القطاعات الإنتاجية الحيوية، كالزراعة والصناعات الصغيرة والمتوسطة والطاقة المحلية. ويمثل هذا الصندوق تحولاً واضحاً من اقتصاد يعتمد على المساعدات والإغاثة، إلى نموذج يعتمد على الذات ويشرك المواطن في بناء المستقبل، ليس فقط كمستفيد، بل كشريك فاعل في التنمية.

في ظل التحديات الداخلية والضغوط الاقتصادية الخارجية، يعكس تأسيس الصندوق رسالة سياسية قوية، مفادها أن سوريا قد اتخذت قراراً بالاعتماد على مواردها وكفاءاتها الذاتية، وفتح الباب أمام المبادرات الأهلية ورؤوس الأموال الوطنية، بدلاً من انتظار الدعم الخارجي المشروط سياسياً. هذا التوجه يعيد الاعتبار للداخل السوري كفاعل رئيسي، وليس مجرد تابع في حسابات الخارج.

وفي هذا السياق، كان منتدى الاستثمار السوري- السعودي خطوة مهمة لكسر العزلة وفتح آفاق التكامل الاقتصادي العربي على أساس المصالح المشتركة. وتلاه منتدى رجال الأعمال الذي جمع مجموعة واسعة من المستثمرين السوريين من الداخل والخارج، مما يعكس استعداد رأس المال الوطني للمساهمة في إعادة بناء الاقتصاد. هذه المنتديات لا تقتصر على عرض المشاريع، بل تعزز الثقة وتؤسس لشبكات تعاون قادرة على تحريك الاقتصاد خارج القنوات التقليدية.

إن مشاركة مبادرات المجتمع الأهلي في صندوق التنمية، سواء من خلال التمويل أو التنفيذ أو الرقابة المجتمعية، تمنح المشروع مصداقية شعبية وتؤسس لاقتصاد محلي قوي، يقاوم الفساد والتهميش ويعيد توزيع الثروة بشكل أكثر عدالة وشفافية ومساءلة. وهنا تظهر أهمية وضع سياسات داعمة تشجع التمويل المحلي وتحمي المشاريع الصغيرة وتضع رؤية شاملة لسوريا ما بعد التحرير.

ختاماً، يبدو أن صندوق التنمية السوري ليس مجرد عنوان مالي، بل هو مؤشر على تحول اقتصادي استراتيجي نحو استعادة المبادرة وتحقيق طموحات الشعب السوري في بناء دولته بأيدي أبنائه، بالاعتماد على العقل والعمل والانتماء، لا انتظاراً للمعونات.

مشاركة المقال: