تحول عناصر الأمن العام السوري إلى أيقونات على وسائل التواصل الاجتماعي، بعد أن حظيت وقفتهم وحمايتهم للمتظاهرين في بعض مدن الساحل السوري بإعجاب واسع من مواقع ومحطات تلفزة. يشير هذا إلى نضج التجربة والتعاطي مع قضايا حساسة في المجتمع السوري، ومع جراح المهجرين والمعتقلين السابقين وملايين المؤيدين للعهد الجديد.
على الرغم من حداثة تجربة شباب وعناصر الأمن العام السوري في وزارة الداخلية، واحتكاكهم المباشر مع الجمهور والمتظاهرين، وقسوة المهمة الموكلة إليهم في ظل التحديات الأمنية المتداخلة وانفلات السلاح، إلا أن مشهدهم في حماية المتظاهرين يصدق على شهادتهم العملياتية، وكأنهم خريجو معاهد متخصصة في التعامل مع مثل هذه القضايا.
الشاب محمد اليوسف، المنتسب حديثًا لقوى الأمن العام، والذي تحولت صورته إلى بروفايل لآلاف الحسابات السورية، يمثل رمزية لبقية زملائه. بوقفته الصلبة وتعاطيه بأداء وانضباط عال، عكس الصورة الأبهى لما يريده السوريون من مؤسستهم الشرطية. يمكن القول إنه كسر سردية مضادة، عملت قوى وحسابات على تصديرها لزعزعة ثقة السوريين بأجهزة دولتهم، عبر نقل تشوهات وتصديرها على أنها حقائق. صورة الأمس حطمت ما أنجزته تلك الفرق عبر آلاف الحسابات الوهمية والعلنية.
صورة الأمس قالت: "بوقفة ثابتة وانضباط، لشاب عشريني نصمت الألسن الطويلة الكارهة لسوريا الجديدة".
صورة الشاب تعيدني، كمقيم في الغرب، إلى مقارنة ردود أفعال عناصر الشرطة في التظاهرات التي أتابعها، وتذكرني بالخصوصية السورية التي نريد لها الاستمرار والتحول إلى منهج عمل وتعاطي مع المختلف. هذا يأتي بعد عقود من الجدران التي بناها نظام الأسدين، لتعزيز الشروخ والخوف والقهر والفرقة بين أبناء الوطن الواحد.
كأن الشاب وزملاءه بالأمس كانوا قصيدة سورية، ورحلة السلام والأمل لسوريا الجديدة، وكأني بهم ما قاله الشاعر الفلسطيني إبراهيم طوقان: صامت لو تكلما….. لفظ النار والدما قل لمن عاب صمته …..خلق الحزم أبكما وأخو الحزم لم تزل يده تسبق الفما لا تلوموه قد رأى منهج الحق مظلما وبلاداً أحبها ركنها قد تهدما وخصوماً ببغيهم ضجت الأرض والسما مرحين فكاد يقتله اليأس إنما هو بالباب واقف والردى منه خائف فاهدئي يا عواصف خجلاً من جرأته.
الشاب مجددًا موضوع "بروفايل" صفحات التواصل، وحسب المتداول هو أخ لشهيد، مهجر كملايين السوريين، ومنتسب حديث العهد لوزارة الداخلية. صمته والتزامه أمام بعض الصيحات الطائفية، وأمام من يعتقد بأنهم سبب هجرته، لم يجعله يغادر تعليمات وزارته ودولته الجديدة.
لم أبالغ أيها السادة، فالسلطة القضائية والتقاضي وخبراتهم التراكمية وظروفهم المثالية تفضل ألا يكون القاضي على صلة بأطراف القضية خشية العواطف الإنسانية أو تضارب المصالح، فكيف ونحن أمام شاب عشريني جرحه نازف كجراح ملايين السوريين.
ملفتة قدرته على الفصل بين الشخصي والعام، لكنه بدا صلبًا يعلي قيمة الوطن وقيمه على مشاعره وهمومه وقضيته.
يقول حسب ما نقلت عنه صحيفة الثورة "مهمتي حفظ الأمن والأمان وحماية السوريين أينما كانوا".
لم نشعر بقدسية هذه المهمة منذ عقود، نحن الذين اصطاد أرواح أحبتنا عناصر أمن النظام الأسدي. فاعذروا فرحنا بمثل شباب سوريا الجدد، نحن الذين تربينا على الخوف من عناصر شرطة المنظومة الأسدية، نشعر اليوم أننا ندخل عهد الدولة الجديدة بطمأنينة وراحة وأمل ونمد أيدينا تحية لمثلهم ونشكر بأقلامنا تجربتهم.
باريس – محمد العويد