الأحد, 8 يونيو 2025 07:54 PM

عقارات بالإيجار القديم: هل ينهي تشريع جديد "إجحاف الـ 111"؟

عقارات بالإيجار القديم: هل ينهي تشريع جديد "إجحاف الـ 111"؟

عنب بلدي – بيسان الخلف

"عقاراتي يقدّر ثمنها بملايين الدولارات، ولكن المستأجر يدفع من أربعة إلى ثمانية دولارات سنويًا"، بهذه الكلمات عبرت مروة المحمد، لعنب بلدي، عن شعورها بالحيف بسبب الإيجار الزهيد الذي تحصل عليه من تأجير جدها محاله التجارية الستة في حلب منذ الثمانينيات، بعقود قديمة. ورثت مروة العقارات عن جدها، وورثت معها عقد إيجار "مجحفًا"، بحسب تعبيرها، لا ينصف المؤجر ويعطي الأحقية للمستأجر بالتصرف في العقار كتأجيره مثلًا، ويُجدد عقده تلقائيًا وفقًا للمرسوم "111"، الذي تم إحداثه عام 1952.

غير منصف

"قانون الإيجارات القديم غير منصف للمؤجر، فالمستأجر يستطيع تأجير العقار بالسعر الذي يريده، بينما صاحب العقار لا يحق له رفع الإيجار إلا بدعوى قانونية قد تُرفض أحيانًا"، قالت مروة. حتى إذا أرادت مروة بيع محالها التجارية، يجب أن تدفع 40% من سعر كل عقار للمستأجر. لا تستطيع مروة رفع الإيجار السنوي إلا بما يعرف بدعوى "التخمين" التي تأخذ من ثلاث إلى أربع سنوات، إذ تسمح لصاحب العقار بأن يرفع مبلغ الإيجار بما يتناسب مع ارتفاع أسعار العقارات، كما يحق للمستأجر رفع دعوى لخفض الايجار. وفي دعوى "التخمين" يتم تقدير قيمة الإيجار من قبل خبراء تندبهم المحكمة الصلحية لهذا الغرض، ثم يقدّر خبير قانوني قيمة الزيادة حسب ارتفاع الأسعار ونوع الاستعمال (سكني، تجاري) والموقع الجغرافي للعقار بحدود 10% من قيمة الإيجار. ومنذ عام2011 إلى الآن، رفعت مروة ثلاث دعاوى "تخمين" لرفع إيجارات محالها التجارية، ولكن دون جدوى، بسبب ازدحام المحاكم الصلحية بدعاوى "التخمين".

مستأجرون لهم رأي آخر

ورث أحمد نويلاتي مهنة صناعة الأواني النحاسية عن والده الذي استأجر محلًا تجاريًا في دمشق القديمة في السبعينيات، يرى أنه بنى سمعته واسمه التجاري في هذا المحل، وإذا باع المالك الأصلي العقار، فإنه سيخسر سنوات طويلة ومتراكمة من بناء اسمه التجاري. يعتبر أحمد أنه حتى إذا أعطاه المالك تعويض الـ40% ضريبة بيع العقار، فهو لا يساوي تعبه وعمله في المحل التجاري. ويدفع أحمد تسعة دولارات سنويًا لصاحب العقار، وقال إن "عقد الإيجار القديم لا ينصف المؤجر، ولكن المستأجر أيضًا يدفع تكاليف الصيانة والضرائب المترتبة على العقار".

ما عقود الإيجارات القديمة

خضعت العلاقات الإيجارية في سوريا منذ عام 1952 لأحكام المرسوم التشريعي رقم "111"، وقد جعل هذا المرسوم العلاقة الإيجارية خاضعة لأحكام التمديد الحكمي وتحديد بدل الإيجار، وتدخل هذا المرسوم التشريعي في حرية التعاقد، وجعل عقد الإيجار يُمدد حكمًا وبغض النظر عن رغبة وإرادة المؤجّر، ما خلق الكثير من الإشكاليات بين طرفي العقد، وحرم المؤجّر من حقه بالتصرف في ملكه. ولّد المرسوم التشريعي "111" العديد من دعاوى "التخمين" التي يضطر المؤجّر اللجوء إليها لرفع بدل الإيجار بما يتناسب مع ارتفاع أسعار العقارات، فضلًا عن أنه أعطى هذا الحق أيضًا للمستأجر، الذي يستطيع الادعاء بدعوى "تخمين" لتخفيض بدل الإيجار، الأمر الذي أغرق المحاكم الصلحية بهذا النوع من الدعاوى.

ومع تطور القوانين الخاصة بالإيجارات في القانون السوري، اعتبر البعض أن المرسوم "111" هو انتهاك للمادة "148" التي تنص على أن "العقد شريعة المتعاقدين، فلا يجوز نقضه ولا تعديله إلا باتفاق الطرفين، أو للأسباب التي يقررها القانون". حاولت عنب بلدي التواصل مع وزارة العدل السورية للسؤال عن وجود نية بإصدار قانون جديد ينصف المؤجر والمستأجر، دون رد حتى لحظة كتابة هذا التقرير.

لا انتهاك في قانون الايجارات

المحامي منيب اليوسفي قال لعنب بلدي، إن المرسوم رقم "111" كان "امتدادًا لضمير الدولة حينها"، إذ أعطى حقًا للمستأجر بالبقاء في مأواه، موضحًا أن المرسوم "111" لا يعد انتهاكًا لمبدأ "العقد شريعة المتعاقدين" في المادة "148"، إذ توجد مادة لاحقة لها تنص على أنه "إذا كانت الشروط التعاقدية مخالفة للنظام العام أو الآداب، كانت باطلة ولو اتفق عليها الطرفان". وأضاف اليوسفي أن النظام العام يشمل في جوهره حماية الحد الأدنى من الحقوق الأساسية، ومنها الحق بالاستقرار المهني والسكني، وعدم ترك الفرد فريسة لقانون السوق وحده، والعقارات الخاضعة للتمديد الحكمي، التي استُؤجرت في ظل قوانين قديمة، استمرت العلاقة الإيجارية فيها بقوة القانون لا بالإرادة.

أما العقود الحديثة، المبرمة وفق مبدأ "العقد شريعة المتعاقدين"، فهي منجز تشريعي أعاد الثقة بالاستثمار العقاري الإيجاري، "نشجعه ونؤيده، لكن لا يجوز إسقاط أحكامه بأثر رجعي على عقود لها خصوصيتها التاريخية والاجتماعية والقانونية"، بحسب اليوسفي. وأشار اليوسفي إلى أن دعوى "التخمين" أداة ضرورية لتعديل الأجرة وفق أسس فنية تراعي الموقع والحالة والوضع الاقتصادي العام، لا هي في مصلحة المالك وحده ولا المستأجر وحده، بل ميزان تقريبي للعدالة.

المرسوم "111" لا يناسب المرحلة

المحامية نادين غازي، ترى أن المرسوم التشريعي "111" أدى غرضًا اجتماعيًا في زمنه، لكنه اليوم أصبح عائقًا أمام العدالة والحرية التعاقدية، ويحتاج إما إلى تعديل أو تغيير جذري، بما يضمن التوازن بين الطرفين وحرية التعاقد وحماية المحاكم الخاصة، وفي ظل تطور التشريعات أصبحت مثل هذه القوانين الاستثنائية عبئًا على السوق العقارية، ومن الأفضل استبدال هذا النوع من التشريع بنظام تعاقدي حر لكن منظم يوازن بين حماية المستأجر وحقوق المؤجر.

وقالت نادين خلال حديثها، لعنب بلدي، إن المرسوم سمح ببعض التصرفات للمستأجر، كالتنازل عن التأجير أو التأجير "الباطن" دون موافقة المالك، مما يمثل تقييدًا لمبدأ "العقد شريعة المتعاقدين"، وأدى إلى تحميل المحاكم أعباء كبيرة بدعاوى "التخمين" وخلق أوضاعًا غير متوازنة بين حقوق المستأجرين والمؤجرين، إذ يتمتع المستأجر أحيانًا بسلطات أكبر من المالك نفسه دون مبرر تعاقدي، وبالتالي قيّد المرسوم المبدأ المشار إليه سابقًا تحت مبرر حماية فئة أضعف اجتماعيًا.

وأشارت نادين غازي إلى أنه لا يجوز للمستأجر التصرف في العقار كالتأجير والبيع والتنازل عنه دون موافقة المالك، إلا إذا كان عقد الإيجار يتضمن شرطًا صريحًا يجيز التنازل أو التأجير. وهناك حالات تجاوز فيها المستأجرون حدود التعاقد، مثل تأجير العقار للغير دون إذن المالك، أو التنازل عن الحق بالانتفاع بمقابل مادي، وهذا يشكل مخالفة قانونية صريحة، ويحق للمالك المطالبة بفسخ العقد أو استرداد العقار، إلا أن القوانين الاستثنائية تجعل من إثبات هذا السلوك واسترداد الحق أمرًا معقدًا وطويلًا، بحسب نادين غازي.

مشاركة المقال: