بابتسامة تعكس الفخر والعزيمة، تخرج "علي إبراهيم" من كلية الصيدلة، رحلة مليئة بالتحديات بدعم من والدته التي ساندته في أصعب الأوقات.
سناك سوري _ تيماء يوسف
لم يكن طريق "علي إبراهيم"، البالغ من العمر 23 عاماً، مفروشاً بالورود. كان حلمه دراسة هندسة المعلوماتية، ولكن بسبب عدم وجود الكلية في طرطوس، واضطراره للانتقال إلى اللاذقية، وهو أمر صعب نظراً لوضعه، اختار السنة التحضيرية للكليات الطبية.
كان "علي" يطمح في التخصص في الطب النفسي، وحقق معدلاً يؤهله لدخول كلية الطب البشري، لكنه فضل الصيدلة لقصر مدة الدراسة وملاءمة طبيعة العمل لوضعه الصحي.
رحلة التحديات
خاض "علي" ووالدته "نجود فياض" رحلة طويلة من التحديات، بدأت من المدرسة ووصلت إلى الجامعة. تروي الأم لـ"سناك سوري" عن رفض الروضات الحكومية لقبوله في البداية، لكنها أصرت حتى وجدت روضة خاصة احتضنته. لاحقاً، واجهت صعوبات في المدارس الحكومية، حيث لم تتعاون بعض الإدارات في نقل الصف إلى الطابق الأول، مما اضطرها لحمله يومياً.
في الامتحانات الرسمية، قدم "علي" امتحانات التاسع والبكالوريا في مراكز خاصة بمساعدة أستاذ يكتب عنه بسبب بطئه في الكتابة، لكن عدم إلمام بعض المساعدين بالمادة أدى إلى عدم نقل الإجابات بدقة، وتدعو "فياض" إلى إيجاد حلول تراعي الطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة.
منذ وفاة والده وهو في الثالثة من عمره، كرست "فياض" حياتها للاهتمام بـ"علي"، مؤمنة بقدراته وذكائه، ورؤيته ناجحاً كان حلمها الذي تحقق.
أشار القانون رقم 34 لعام 2004 إلى حق الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة في التعليم، لكنه لم يضع آليات تضمن التعليم الدامج، مما أدى إلى تهميشهم. الأمر تغير جزئياً عند صدور القانون 19 لعام 2024، الذي أقر بأهمية التعليم الدامج، وإنشاء مؤسسات تعليمية متخصصة، الأمر الذي يرى خبراء أنه قد يؤدي إلى عزلهم بدلاً من دمجهم.
علي مع والدته نجود على مقاعد الدراسة الأولى – سناك سوري
المواصلات.. أولى العقبات
يضيف "علي" لـ"سناك سوري" أن المواصلات كانت من أبرز العقبات، خاصة خلال سنوات الجامعة، حيث تقع كلية الصيدلة خارج مدينة طرطوس، وكان يحتاج سيارة خاصة لنقله. كما أن غياب الممرات المخصصة لذوي الاحتياجات الخاصة داخل الحرم الجامعي والمدارس شكل عائقاً إضافياً، لكن وجود والدته ودعمها الدائم خفف من صعوبة الطريق، ومنحه الصبر والعقلية الإيجابية القدرة على مواصلة مسيرته.
يذكر أن سوريا انضمت إلى اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة عامي 2007 و2009، ما يلزمها بتنفيذ أحكامها، وتنص المادة (4) على ضرورة مواءمة التشريعات والسياسات الوطنية مع أحكام الاتفاقية.
لحظات فخر
وسط التحديات، كان الفخر يرافق "علي"، ويلمسه في احترام أساتذته ودعم زملائه. ويقول لـ "سناك سوري"، إن تكريم عميد كلية الصيدلة الدكتور "وليد سليمان" لوالدته، وموافقته على أن تكون مناقشة مشروع تخرجه خارجية، كانت من اللحظات التي منحته شعوراً بالاعتزاز.
طموح ما بعد التخرج
بعد التخرج، يبحث "علي" عن فرصة عمل لتنمية خبرته، ويفكر في دراسة الماجستير والدخول في مجال التعليم الجامعي، مؤكداً أن والدته كانت وما تزال شريكته في كل إنجاز.
يحدد القانون رقم 19 لعام 2024 نسبة 2% لتوظيف الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، لكنه لا يلزم بتوفير بيئات عمل دامجة، مما يتعارض مع المادة (27) من الاتفاقية. ولا تتوفر إحصائيات دقيقة حول عدد ذوي الاحتياجات الخاصة في سوريا، لكن تقرير برنامج تقييم الاحتياجات الإنسانية (HNAP) في سوريا عام 2021، أشار إلى أن 28% من السوريين في الداخل من ذوي الاحتياجات الخاصة.
قصة "علي" تفتح الباب على سؤال أكبر، كم طالباً آخر لم يتمكن من الوصول إلى قاعة الدرس لأن الطريق لم يكن ممهداً؟