الإثنين, 1 ديسمبر 2025 06:48 PM

علي صقر: كتابات أدبية وجيزة تغوص في أعماق العاطفة والسخرية

علي صقر: كتابات أدبية وجيزة تغوص في أعماق العاطفة والسخرية

علي الرّاعي: يمتلك الكاتب علي صقر رصيدًا يقارب العشر مجموعات قصصية، يتميز فيها ببراعته في استخدام الأدب الوجيز، خصوصًا النصوص القصيرة جدًا والومضات، التي تتراوح بين القصة القصيرة والنصوص الشعرية. تتجلى مهارته الأدبية في بناء صورة سردية مكثفة، لكنها تحمل معاني عميقة ومشاعر متناقضة، وذلك بلغة تتسم بالبلاغة والتكثيف.

تتمحور معظم نصوصه حول مواضيع متنوعة، تبدأ بالحب، وتمر بالحرب، وتنتهي بالألم الناجم عن الواقع.

اللغة البلاغية

اللغة في نصوص علي صقر ليست مجرد أداة للتواصل، بل هي وسيلة فنية للتعبير عن جوهر الواقع. في هذه النصوص، نجد أسلوبًا بلاغيًا دقيقًا يتنقل بين مختلف الأساليب الأدبية، مما يعكس الحس الشعري والنثري في آن واحد. تتسم بعض النصوص بخصائص قصيدة النثر التي تتجاوز القواعد التقليدية للشعر العربي، بينما يظهر البعض الآخر ملامح القصة القصيرة جدًا التي تكتفي بتصوير لحظة أو موقف بسيط ولكنه يحمل في طياته معانٍ كثيرة.

في نص "عشرون عامًا"، يستخدم الكاتب أسلوب التكثيف ليصور معاناة حب خفي، حيث يقول: "طيلة عشرين عامًا، عاشا ضمن غرفة ضيقة وعلى فراش واسع ولم تحظَ منه حتى بقبلة". هذه الجملة تعبر عن مدى التضحية، وتظهر التباين بين الزمان والمكان والمشاعر المكبوتة. تكثيف الكلمات هنا يعطي للنص طابعًا دراميًا عميقًا، إذ يستطيع القارئ أن يتصور حياتهما المحاصرة في صمت عاطفي لسنوات طويلة، بلغة لا تحتاج للكثير من التفاصيل لتصوير العلاقة المفقودة بين الحبيبين.

أما في نص "غرام في المقبرة"، فالتوظيف البلاغي يكون أكثر جرأة وصراحة، إذ تتقاطع مشاعر الغيرة والحب والموت في معركة ضد الزمن. الجثتان المتعانقتان في المقبرة واللتان تهتزان "بجنون" قد تكونان رمزًا لتحرر الروح من القيود، وتحقيق رغباتها بعد الموت الذي يمثل نوعًا من الاستقلالية في عالم قاتم.

الشواغل الفكرية والوجودية

تتناول نصوص علي صقر شريحة كبيرة من الأسئلة الوجودية التي ترافق الإنسان في أحلك لحظات حياته. الشاغل الأبرز في معظم هذه النصوص هو الحرب. ففي نص "ستنتهي الحرب غداً"، يتحدث صقر عن موت الحرب مع الموت الفعلي للناس، حيث تتناثر الجثث في الأرض، ويبحث الوطن عن "فوهة ضوء". صقر هنا لا يقتصر على وصف الأوضاع القتالية، بل يغوص في أسئلة فلسفية حول النهاية والمصير. في قوله "ستنتهي الحرب يوماً ما"، تنبعث بوضوح مرارة التوقع والتأمل في جدوى ما يحدث.

هناك أيضًا نقلة درامية في نص "أنا سوريا يا أبت"، حيث يدمج الكاتب بين الحديث عن الحرب والهم الوجودي، مع استخدامه للغة مثولوجية تسائل الوجود والمعنى تحمل في طياتها دعوة للمطالبة بحق الإنسان في السلام، وفزع من واقع لا يرحم.

كما تظهر فكرة الموت والفناء أيضًا في نصوص مثل "امبراطور السيارات"، حيث يموت "امبراطور السيارات" تحت عجلات دراجة هوائية، وهو صورة ساخرة ومريرة عن طغيان المادية والمظاهر الزائفة. رغم أن الشخصية تمتلك أسطولاً من السيارات الفارهة، فإن النهاية كانت مأساوية، ما يوحي بأن السعي وراء المال والمظاهر لا يجلب السعادة الحقيقية. هذه الفكرة، وإن كانت قد تبدو عابرة، تحمل في طياتها نقدًا للمجتمع الاستهلاكي.

التقنيات السردية

من أبرز تقنيات علي صقر هي قدرته على استخدام الاختزال بشكل مذهل. ففي نص "غرام البحار"، يكتب: "تزوج البحر الأبيض من البحر الأحمر، فأنجبا البحر الأسود حزناً على البحر الميت". هنا، لا يحتاج الكاتب إلى تفاصيل طويلة ليعبر عن الحزن الناتج عن تدمير البيئة، بل يكتفي بهذه الجملة المختزلة التي تحمل أبعادًا رمزية كبيرة. البحر الأبيض والبحر الأحمر يصبحان رموزًا للتضاد والتعايش، بينما البحر الأسود يمثل الحزن المترسخ جراء الوضع القائم.

أيضًا، في نص "تمارين روسية"، نجد تكثيفًا فنيًا يعكس الحياة اليومية في ظل الحرب، حيث يتنقل القارئ بين شخصيات تتابع حياتها في المدرسة رغم أن العالم من حولها ينهار. الجرس، الذي كان يعلن عن بداية الحصة، يتحول إلى صوت الموت والدمار. هنا، يجسد الكاتب بأسلوبه البلاغي الصادق كيف أن الحرب تخترق حتى المساحات الصغيرة، لتسحب البساطة من الحياة.

الدمج بين الأجناس الأدبية

ما يميز أسلوب علي صقر هو قدرته على الدمج بين القصة القصيرة والنص الشعري، ففي معظم نصوصه، نلاحظ ملامح الشعر القائم على الصورة والرمزية، وهو ما يتيح له التعبير عن الفكرة الواحدة من زوايا متعددة. وهذا واضح في نصوص مثل "تموزون" التي تمتزج فيها العاطفة والحرب، وتستند إلى سردية عميقة تختصر عشرات القصص في جملة واحدة.

الجمالية والمأساة

أحد الجوانب البارزة في النصوص هو تأثيرها العاطفي الكبير على القارئ. يتنقل القارئ في رحلة مليئة بالعواطف المتناقضة من الحب إلى الحزن إلى الغضب، ومن السخرية إلى الأمل. نصوص صقر تأخذ القارئ إلى أعماق نفسيته وتجعله يعيش المأساة بشكل إنساني، وليس مجرد حدث تاريخي. هذا العمق العاطفي يكمن في قدرة الكاتب على اختصار عوالم كاملة في كلمات قليلة، وهو ما يجعل نصوصه مغرية للتأمل والتفكير.

باختصار، علي صقر هو أحد الكتاب الذين استطاعوا أن يدمجوا بين الواقعية العميقة والرمزية الشعرية بطريقة فنية تجعل من نصوصه مثالاً على الأدب الوجيز الناجح. إذ تقدم نصوصه صورة مؤلمة عن الواقع المعاصر، ولكنها تقدمها بلغة فنية مشبعة بالعاطفة والإبداع. في النهاية، تبقى أسئلة الحياة والموت، الحب والكراهية، السلام والحرب، هي الشواغل الكبرى التي تحكم هذه النصوص، وما يعكسه الأسلوب البلاغي فيها من صراع داخلي عميق.

اخبار سورية الوطن 2_وكالات _الحرية

مشاركة المقال: