الجمعة, 4 يوليو 2025 03:55 AM

عودة إلى المليحة: ذكريات تحت الأنقاض ومعاناة مستمرة بعد سنوات من التهجير

عودة إلى المليحة: ذكريات تحت الأنقاض ومعاناة مستمرة بعد سنوات من التهجير

يجلس خالد عكاشة على أعتاب منزل بلا أبواب ولا نوافذ، ناظرًا إلى الجدران المتصدعة التي لا تزال تحمل رائحة الحرب. بعد سنوات قضاها مُهجَّرًا قسرًا، عاد خالد إلى بلدته المليحة في ريف دمشق، لكنه وجد واقعًا مريرًا لا يمتّ بصلة إلى ذكرياته. يقول بحسرة: "كل شيء هنا تغيّر… حتى البيوت فقدت ملامحها"، مشيرًا إلى جدار مُحطَّم كان يفصل مطبخ منزله عن غرفة الجلوس.

المليحة.. وسنوات الثورة

تقع بلدة المليحة في ريف دمشق الجنوبي الشرقي، وتعتبر من أبرز بلدات الغوطة الشرقية، حيث تبعد حوالي عشرة كيلومترات فقط عن قلب العاصمة. لطالما عُرفت بهويتها الزراعية المتجذرة، حيث كان سكانها يعتمدون على الزيتون والخضراوات في معيشتهم. ومع اندلاع الثورة السورية عام 2011، انخرطت المليحة سريعًا في الحراك الشعبي، وشهدت مظاهرات قوبلت بالقمع الشديد. ومع تصاعد وتيرة الصراع، تحولت البلدة إلى خط تماس مباشر بين النظام السوري وفصائل المعارضة، وعلى رأسها "جيش الإسلام" و"أحرار الشام". منذ عام 2012، أصبحت المليحة ساحة معركة مفتوحة، حيث لم يتوقف القصف الجوي والمدفعي. وفي صيف 2014، شنّ النظام حملة عسكرية عنيفة للسيطرة عليها، استمرت أربعة أشهر وانتهت في آب/ أغسطس بدخول القوات الحكومية مدعومة بميليشيات عراقية طائفية، من أبرزها "أسد الله الغالب"، وذلك بعد دمار هائل وتهجير جماعي للسكان إلى قرى وبلدات الغوطة الشرقية. لاحقًا، تحولت المليحة إلى منطقة أمنية مغلقة تحت سيطرة الفرقة الرابعة والميليشيات الموالية، وسط غياب شبه كامل للسكان. أما سكان البلدة الذين نزحوا داخليًا، فقد هُجّروا إلى الشمال السوري، إلى جانب أهالي الغوطة، والبالغ عددهم نحو 110 آلاف شخص في أواخر عام 2018. ورغم عودة بعض العائلات منذ عام 2019، إلا أن البلدة لا تزال تعاني من الدمار ونقص الخدمات.

الفرقة الرابعة.. "عفّشت" كامل البلدة

يقول خالد: "أكثر من نصف البيوت تعرضت للنهب، ولا تزال الجدران مهدّمة. كل بيت بحاجة لما لا يقل عن عشرة آلاف دولار ليصير قابلًا للسكن"، ويضيف: "رجعت، بس ساكن عند أقارب. ما قدرت أبلّش بأي ترميم. الحياة غالية، والإيجارات وصلت لمليون ونص!"

التحديات التي تواجه عودة السكان

في ظل هذا الواقع، يبدو أن الأعباء تتجاوز قدرات العائلات العائدة بمفردها، مما يفرض على المجالس المحلية تحديات يومية لتوفير الحد الأدنى من الخدمات. وفي هذا السياق، تحدث رئيس المجلس المحلي نادر دغمش لمنصة "سوريا 24"، موضحًا أبرز الصعوبات التي تواجه البلدة بعد سنوات من التهميش والدمار. أوضح دغمش أن البلدة، رغم الجهود المبذولة، ما تزال تواجه تحديات خدمية كبيرة، خصوصًا مع تزايد العائدين من مناطق الشمال السوري ودول المهجر. وأشار إلى أن المجلس بدأ، منذ "تحرير البلدة" في 12 أيار 2018، بخطوات إسعافية شملت معالجة النقص الحاد في الآليات، ومشاكل الكهرباء والمياه. وقد تم بالفعل شراء رافعة، وعدد من سيارات الخدمة، وصهاريج لتعزيل ونقل النفايات، بالإضافة إلى جرارين زراعيين لدعم العمل البلدي. وفيما يخص الكهرباء، أشار دغمش إلى أن وضع الشبكة جيد من حيث الأعطال، إلا أن ساعات التغذية ما تزال غير كافية، خاصة مع ارتباطها المباشر بضخ المياه. وأكد أن جميع الآبار في البلدة موصولة إما بخطوط الكهرباء أو بالطاقة الشمسية، ولا يوجد بئر خارج الخدمة حاليًا. ومع تزايد عدد العائدين، بدأت الجهات المعنية برفع عدد ساعات التغذية تدريجيًا، بهدف تمكين الأهالي من ترميم منازلهم، وإعادة الحياة تدريجيًا إلى الأحياء المدمّرة. أما العائلات التي دُمّرت منازلها بالكامل بفعل القصف، فقد اضطرت للجوء إلى مناطق قريبة ضمن مشاريع إسكان مؤقت بدعم من بعض المنظمات الإغاثية. على صعيد النظافة، قال دغمش إن المجلس يعمل يوميًا على رش المبيدات، وتعقيم الطرقات، وتنظيف الحاويات، إلى جانب صيانة الحدائق وتشذيب النباتات، بعد تقسيم البلدة إلى ثلاث مناطق للنظافة الدورية. وقد تم استئجار عاملات من بلدات مجاورة لمساعدة فرق البلدية في تنظيف الشوارع والأزقة الضيقة. وفي ختام حديثه، شدد رئيس المجلس المحلي على أهمية دور المجتمع المحلي والفعاليات الأهلية التي ساندت عمل المجلس خلال السنوات الماضية، مؤكدًا أن البلدة تسير بخطى ثابتة نحو الاستقرار، رغم ضعف الإمكانيات، وضرورة استمرار الدعم من الجهات المختصة والمنظمات الدولية. ترميم الأمل في المليحة، لا تزال جراح الحرب مفتوحة. يحاول العائدون، كخالد، ترميم الحجر والذاكرة في آنٍ واحد، وسط واقع معيشي واقتصادي قاسٍ. ينغّص عليهم فرحة سقوط النظام، لكن أملهم لا يموت في أن القادم أفضل.

مشاركة المقال: