الإثنين, 28 يوليو 2025 01:06 AM

عين العروس: ملاذ صيفي ينعش سكان تل أبيض ورأس العين في ظل موجة الحر

عين العروس: ملاذ صيفي ينعش سكان تل أبيض ورأس العين في ظل موجة الحر

في ظل موجة حر شديدة تجاوزت فيها درجات الحرارة 48 درجة مئوية شمالي سوريا، أصبحت نبعة "عين العروس" وجهة مفضلة لسكان مدينتي تل أبيض ورأس العين. يلجأ الأهالي إلى النبعة هربًا من حرارة الصيف، بحثًا عن المياه الباردة والظل الذي توفره الأشجار.

تقع النبعة جنوبي تل أبيض، وتعتبر المصدر الرئيسي لنهر البليخ في المدينة. وقد أعيد تأهيلها وترميمها من قبل المجلس المحلي بعد عملية "نبع السلام" العسكرية عام 2019، مما جعلها مكانًا مثاليًا للزوار الذين يبحثون عن الراحة والانتعاش.

المتنفس الوحيد بعد جفاف الخابور

تعتبر نبعة "عين العروس" المتنفس الوحيد لسكان تل أبيض ورأس العين، خاصة بعد جفاف نهر الخابور والينابيع الأخرى في المنطقة، بالإضافة إلى القيود المفروضة على التنقل إلى مناطق أخرى. هذا الوضع جعلها الملاذ الأساسي للتغلب على الحرارة وتلبية احتياجات السكان.

تقع مدينتا رأس العين وتل أبيض على الحدود التركية، وتخضعان لسيطرة "الجيش الوطني السوري" المدعوم تركيًا، بينما تحيط بهما جبهات قتال مع "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد). وتعتبر الحدود التركية المنفذ الوحيد للمنطقة نحو الخارج.

يقول عماد الدين (51 عامًا) من رأس العين، إنه اعتاد على اصطحاب عائلته إلى نبعة "عين العروس" كل صيف للاستمتاع والسباحة في مياهها الباردة، بعد أن فقدت المدينة وجهاتها الطبيعية الأخرى. وأشار إلى أن رأس العين فقدت مواردها المائية، وعلى رأسها نهر الخابور، الذي كان المتنفس الرئيسي للأهالي، بعد أن تحول إلى مجرى ملوث بمياه الصرف الصحي. ويضيف أن النبعة أصبحت الملاذ الوحيد المتاح، في ظل الحصار المفروض على رأس العين من قبل قوات "قسد"، مما يمنعهم من الوصول إلى مناطق أخرى. ويطالب عماد الجهات المسؤولة بتنظيم عدد الزوار والعناية بالنظافة، لأن الازدحام المتزايد يهدد جودة المياه ويؤثر سلبًا على البيئة.

من جهتها، تتوجه نهلة العلي (24 عامًا) من تل أبيض مع صديقاتها إلى النبعة كل يوم عطلة منذ خمس سنوات، حيث أصبحت هذه الزيارات عادة أسبوعية. وتوضح أن النبعة هي المتنفس الوحيد الذي يجدن فيه الراحة والمياه الباردة. وتضيف أنهن يحضرن بعض الوجبات الخفيفة ويجلسن في الظل، مما يساعدهن على قضاء وقت هادئ بعيدًا عن ضغوط الحياة اليومية. وتطالب نهلة الجهات المعنية بزيادة جهودها في التنظيف المستمر، خاصة أن النبعة تمثل المصدر الرئيسي للمياه والمتنفس الوحيد لسكان تل أبيض ورأس العين.

مصدر رزق وفرص عمل

توفر نبعة "عين العروس" مصدر دخل لعدد من سكان تل أبيض، من خلال الأكشاك والمحال الصغيرة التي تبيع المأكولات والمشروبات وألعاب الأطفال، مما يساهم في تنشيط الحركة التجارية وتحسين الظروف المعيشية لبعض العائلات.

افتتح محمد علاء، من تل أبيض، كشكًا صغيرًا بجانب النبعة منذ ثلاث سنوات، حيث وجد فيه مصدر دخل ثابتًا يساعده على تغطية مصاريفه وتحسين وضعه المادي. ويقول إن وجود الكشك بجانب النبعة يوفر له دخلًا يوميًا ثابتًا، ساعده على تحسين وضعه المادي والاعتماد على هذا العمل كمصدر رئيسي للرزق. ويشير إلى أن ما يقارب 15 محلًا يستفيد من النبعة، مطالبًا بزيادة الاهتمام بالمكان وتوفير مرافق خدمية أساسية، مثل الحمامات، للحفاظ على نظافة المكان.

جهود الترميم والتأهيل

تقع عين العروس على بعد حوالي ثلاثة كيلومترات جنوب مركز مدينة تل أبيض، وتبعد 92 كيلومترًا شمال مدينة الرقة و200 كيلومتر شرق مدينة حلب. وتتميز المنطقة بتضاريسها السهلية الخصبة وغناها بالينابيع، مما جعلها وجهة مفضلة للزراعة والتجارة عبر العصور.

أوضح متعب حسين، مدير مكتب الإعلام بالمجلس المحلي في تل أبيض، أن المجلس قام بأعمال ترميم وإعادة تأهيل لمكان النبعة، وذلك ضمن الإمكانيات المتاحة. وأضاف أنه منذ تشكيل المجلس المحلي، وُضعت خطة لترميم النبعة وتأهيلها لتصبح مكانًا رئيسيًا لسكان المدينة والزائرين من المناطق الأخرى، لأنها المكان الأساسي الذي يقصده السكان للاستجمام. وأشار إلى أن المجلس خصص عمال نظافة وموظفين للإشراف على النبعة وصيانة حديقتها بين كل فترة وأخرى، ضمن الإمكانيات المتاحة. ويعمل المجلس على وضع خطة تأهيل كاملة للمكان في حال توفرت الإمكانيات اللازمة.

تعود أهمية عين العروس إلى العصور الإسلامية، حيث ورد ذكرها في معجم "البلدان" لياقوت الحموي، إذ وصفها بأنها "عين الذهبانية" وهي "أعظم عيون نهر البليخ". كما ذكرها الرحالة ابن جبير، مشيرًا إلى وجود "مشهد مبارك" فيها يُنسب إلى النبي إبراهيم. وكانت العين محطة استراحة للتجار والمسافرين على طريق القوافل، ولا تزال حتى اليوم تشكل متنفسًا طبيعيًا لأهالي تل أبيض وزوارها، وتحتفظ بمكانتها كرمز من رموز التراث الطبيعي والتاريخي في المنطقة.

مشاركة المقال: