من غير المعتاد أن "يصوم" رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، عن الكلام وإطلاق التهديدات، والأغرب من ذلك هو عدم مشاركته أو إرسال ممثل عنه إلى ما يسمى "مؤتمر شرم الشيخ للسلام"، الذي كان من المقرر أن يتزعمه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بالإضافة إلى حوالي 20 قائداً ووزير خارجية من دول عربية وإسلامية.
فنتنياهو لا يفوّت أي فرصة للتطبيع، أو للتواجد شخصياً أو عبر ممثل عنه في أي عاصمة أو مدينة عربية. فما سبب هذا الصمت المريب، ولماذا هذا الغياب المتعمد عن مؤتمر يشارك فيه الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، والرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، والمستشار الألماني فريدريتش ميرتس، ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، وجميعهم شخصيات ذات وزن ثقيل، بالإضافة إلى رؤساء وزراء أو وزراء خارجية من عدة دول عربية وإسلامية مثل السعودية وقطر والبحرين والامارات وباكستان واندونيسيا؟
هناك عدة تفسيرات لهذا الغياب:
- التفسير الأول: أن نتنياهو لم يعد حريصاً على التطبيع مع الدول العربية والإسلامية، لأنه يتطلع إلى ضمها إلى إسرائيل الكبرى التي تعهد بالعمل على إقامتها انطلاقاً من إيمانه التوراتي والتاريخي، وبالتالي لا يعترف بهؤلاء وحكوماتهم، ويعتبرهم "نواطير" مؤقتين.
- التفسير الثاني: الخشية من النبذ والتجاهل من بعض هؤلاء، ونحن نتكلم هنا عن العرب والمسلمين منهم، سواء بعدم الحضور، أو تجنب مصافحته، كما حصل عند انسحاب الوفود من قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة أثناء إلقائه خطابه الشهر الماضي.
- التفسير الثالث: أن يعطي نتنياهو الأولوية للاحتفال بعودة الأسرى الإسرائيليين، والإشراف شخصياً على استعدادات جيشه للعودة إلى استئناف حرب الإبادة والتجويع في القطاع، والعمل على تحقيق أهدافه في القضاء على حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، ونزع سلاحها، وتدمير أنفاقها.
يبدو أنها عملية سلام من مرحلة واحدة، تنتهي بانتهاء عودة الأسرى الإسرائيليين الأحياء إلى أسرهم، وحينها سينهي نتنياهو صيامه عن الكلام، وسيعود إلى الحديث عن الانتصار الكبير الذي حققه، وإصدار التهديدات للقضاء على المقاومة في القطاع، وتغيير ملامح وجدود منطقة الشرق الأوسط.
لا نبالغ إذا قلنا إن نتنياهو بعد تأمين حياة وعودة الأسرى العشرين، سينتقل إلى المرحلة الثانية على جدول أعماله، فلسطينياً وإقليمياً. فلسطينياً: محاولة الإجهاز على المقاومة في القطاع. وإقليمياً: بشن عدوان على ايران، بعد أن بات امتلاكها لأسلحة نووية أمراً شبه مؤكد، بعد رفضها كل الضغوط الأمريكية والأوروبية لتسليم 450 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب بنسبة فوق حاجز الستين في المئة مقابل عدم استئناف العقوبات الاقتصادية التي رفعت عنها على أرضية توقيع الاتفاق النووي عام 2015.
تتصاعد هذه الأيام العديد من التقارير الإخبارية، وخاصة على وسائل التواصل الاجتماعي، تؤكد أن ايران في طريقها السريع لامتلاك أسلحة نووية، وأن الزلزال الذي ضرب صحراء ايران الجنوبية، وتحدثت عنه أجهزة رصد غربية قبل شهرين تقريباً، كان ناتجاً عن تجربة لتفجير نووي تحت الأرض.
الحديث الأول للسيد علي شمخاني وزير الدفاع، والمستشار العسكري للسيد علي خامنئي المرشد الأعلى، والأمين السابق لمجلس الامن القومي بعد نجاته من عملية الاغتيال، وأدلى به في برنامج تلفزيوني، يؤكد بشكل مباشر هذه الفرضية، أي نجاح التفجير النووي الاختباري، إلى جانب نقاط عديدة تسلط الأضواء على قرب حدوث المواجهة الكبرى:
- أولاً: أن ايران ارتكبت خطأ كبيراً بعدم تطوير القنبلة النووية أثناء توليه منصب وزير دفاع في حكومة الإصلاحي محمد خاتمي، وتهديدات اليوم الإسرائيلية والأمريكية وعدوانهما الأخير على ايران يؤكد هذه الحقيقة، ولو عاد إلى منصبه السابق كوزير دفاع سيمضي قدماً في هذا الاتجاه.
- ثانياً: تلميحه إلى أنه بعد إعادة فرض العقوبات على ايران "لا توجد جهة في العالم تتعامل معنا في مجال السلاح بشكل جدي".
- ثالثاً: أكد شمخاني أن قدرات ايران في الحرب البحرية لم يعرفها العدو بعد، وما لم يصرح به وحسب تقديرات إعلامية غربية عسكرية متخصصة، أن ايران تملك 19 غواصة، بعضها مجهز بمنظومات صواريخ يمكن أن تحمل رؤوساً نووية، وأن هذه الغواصات (تملك إسرائيل 7 فقط) لا يمكن رصد أماكن تواجدها على الإطلاق.
- رابعاً: اعترافه بأن منظومات الدفاعات الصاروخية قد تطورت، ولكن الصواريخ الإيرانية الباليستية قد تطورت أكثر في ميادين الدقة والقوة، وأصبحت أكثر فاعلية، وظهر ذلك في حرب الـ 12 يوماً الأخيرة.
عودة الجنرال شمخاني الرجل الإيراني القوي، الذي حاولت الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية اغتياله، في هذا التوقيت، وإدلائه بهذه التصريحات حول الندم الإيراني عن عدم إنجاز رؤوس نووية، كلها توحي بالاستعدادات الإيرانية لمواجهة الحرب الإسرائيلية الامريكية الكبرى، وتوجه تحذيراً إلى الجانبين، بأن الثمن سيكون غالياً جداً لأي عدوان.
لا نثق بأي وعود بوقف اطلاق النار أو الانسحاب من غزة يطلقها نتنياهو، فهذا الرجل الذي ارتبط اسمه بحرب الإبادة والتجويع والتدمير الكامل للقطاع لا يعرف الا لغة المجازر، ولعل غاراته العشر التي شنها اليوم دفعة واحدة على لبنان هي أحد المؤشرات التي تؤكد ما نقول، ولهذا الحذر واجب، ولا يجب مطلقاً الثقة بما يسمى بالوعود والضمانات الامريكية، ولا نستبعد ان هناك خطة سرية بالهجوم الموسع على القطاع فور وصول الرهائن الى تل ابيب، ونأمل ان نكون مخطئين.
اخبار سورية الوطن 2_وكالات _راي اليوم