الأربعاء, 17 سبتمبر 2025 02:17 AM

في الذكرى الأولى لتفجير البيجر: قصص جرحى تتحدى الألم بالصبر والأمل

في الذكرى الأولى لتفجير البيجر: قصص جرحى تتحدى الألم بالصبر والأمل

بابتسامة رغم الندوب التي تشوه وجهها، تدخل زينب، ابنة السابعة والعشرين، برفقة والدتها إلى غرفة صغيرة في مبنى مخصص لجرحى البيجر. قبل التفجير، كانت زينب تستعد لحياة زوجية سعيدة مع خطيبها أحمد، لكن في 17 أيلول/سبتمبر 2024، بدد تفجير إسرائيل لأجهزة "البيجر" أحلامها وأحلام آلاف آخرين، مخلفاً 12 قتيلاً وأكثر من 3000 جريح.

تصف زينب كيف كانت ترى العالم بعين المهندس، وترسم الغد بخطوط الطموح، ثم جاءت الحرب وأطفأت أضواء كثيرة، بما في ذلك بصرها. كانت في منزلها تعمل على حاسوبها عندما وقع الانفجار، ولم تفقد وعيها حتى وصولها إلى المستشفى، حيث أدركت حجم الكارثة التي حلت بالمدنيين.

تروي زينب لـ"النهار" أنها ظنت في البداية أن المشكلة في الجهاز الموجود في منزلهم، لتكتشف لاحقاً أن إسرائيل فخخت آلاف الأجهزة. بعد خمسة أيام، تبين وجود إصابات نسائية أخرى مثل زينب، إضافة إلى أطفال وشباب. علمت زينب أنها خسرت عينها اليسرى، ولم تر شيئاً لأسبوعين، قبل أن تستعيد 10% فقط من بصرها في العين اليمنى، كما فقدت ثلاثة أصابع من يدها اليمنى.

خضعت زينب حتى الآن لـ 14 جراحة، وتنتظرها ثمان أخرى. سافرت إلى إيران لتلقي العلاج، وفي مستشفى "محب كوثر" في طهران، كتبت على صفحتها في فيسبوك عن تجربتها مع جريحة أخرى: "يا نرجس... سيأتي الغد. سيعود كل هذا مجرد ذكرى. سنرجع إلى بيوتنا، نروي هذه الحكايات، نضحك من بكائنا، ونحكي عن ألمٍ مرّ لكنه شكّلنا".

منذ أسبوعين فقط، تزوجت زينب بعد ثماني سنوات من الحب مع شريك حياتها محمد. إصابتها غيرت مسار حياتها، لكنها لم تفكر يوماً في مطالبة محمد بالرحيل. تقول: "كنت على ثقة بأنه لن يتركني، لكن أهلي صارحوه وقالوا له: لك الحرية كاملة في الانسحاب بعدما تبين أنني لن أرى سوى 10% بعيني اليمنى، وفقدت ثلاثة أصابع من يدي، لكنه رفض رفضاً قاطعاً".

تقيم زينب ومحمد في منزل عائلتها، حيث تساعدها والدتها في تفاصيل حياتها اليومية وترافقها في رحلتها الجديدة إلى الجامعة، بعدما قررت العودة إلى مقاعد الدراسة لاختيار اختصاص يتلاءم مع واقعها. تفكر زينب في دراسة العلوم السياسية، وتقول: "كنتُ أفكر في العلوم السياسية منذ زمن، لكن عائلتي لم تشجعني. ولكن اليوم لدي الكثير مما أريد أن أقوله وأتحدث به".

رغم كل الخسارات والندوب، تجد زينب متمسكة بالأمل والصبر والأحلام الجديدة. وتصرّ على المضي قدماً، وتغيير خططها وتحلم من جديد. تقول: "سأزرع عيناً اصطناعية وعمليات التجميل ستخفي الندوب، وبتر أصابعي سيذكرني دائماً بأن أبقى قوية وألا أضعف مهما حصل".

استقبلت المستشفيات في أقل من نصف ساعة نحو 2800 جريح، غالبيتهم إصاباتهم بالغة في العيون والوجه واليدين. ولا يزال الجرحى يخضعون لجراحات تجميلية متواصلة للتخفيف من قسوة الندوب والتشوهات.

تتكفل وزارتا الصحة العامة والشؤون الاجتماعية، إلى جانب "مؤسسة جرحى البيجر" و"حزب الله" والمتبرعين، أكلاف العلاج حتى الآن. وقد أثارت هذه المجزرة موجة استنكار واسعة، واعتبر خبراء أمميون أنّ مثل هذه الهجمات يرقى إلى "جرائم حرب".

شهد مركز العيون في المتحف تدفقاً غير مسبوق لجرحى انفجار البيجر. ويستعيد الدكتور الياس جرادي تلك الساعات قائلاً لـ"النهار": "كنا في وضع كارثي والبلد تحت الحصار. لم نتخيّل يوماً أن نواجه هذا العدد من الجرحى دفعة واحدة. عملنا تحت ضغط يفوق الطاقة، بلا نوم ولا توقف، حتى وصلنا إلى لحظة شعرنا فيها أننا لم نعد قادرين على الاستمرار. ما رأيناه كان إجراماً يفوق الوصف".

لم تكن روان الموسوي تتوقع أن صوت الجهاز الذي انفجر في غرفة الجلوس سيغير حياتها إلى الأبد. فقدت بصرها في كلتي العينين، وبُترت يدها اليسرى بالكامل، وفقدت أصبعين من يدها اليمنى. تقول: "فقدت بصري وبترت يدي، ولدي إصابات في مختلف أنحاء جسدي. كذلك خسرت منزلي الذي دمّر في الحرب. ولكن لا شيء سيكسر إرادتنا أو يجعلنا نستسلم. والله سينتقم من أميركا وإسرائيل، وستكون نهايتهما قريبة".

كان حسن نصر الدين، يعمل في مستشفى الرسول الأعظم عندما انفجر جهاز البيجر أمامه. فقد عينه اليسرى وجزءاً من بصره في اليمنى، كما فقد بعض أصابع يده، وترك الانفجار ندوباً على وجهه. يؤكد حسن "أننا لن ندع العدو ينال من عزيمتنا. الإصابة زادتني إصراراً على استكمال دراستي والحصول على دكتوراه في اختصاصي. لن أتوقف عن الحلم والمثابرة، بل سنزداد قوة في الصمود والعيش".

يشرح الدكتور الياس جرادي أن جراحة العين عالم مليء بالمفاجآت، وتحتاج إلى سلسلة طويلة من التدخلات المتواصلة. تقول شابة تعمل في إحدى العيادات التجميلية إن أصعب ما واجهته مع جرحى البيجر هو أولئك الذين فقدوا بصرهم، غير مدركين حجم التشوهات التي تركتها الانفجارات على وجوههم.

مشاركة المقال: