الجمعة, 8 أغسطس 2025 06:47 AM

في جامعة حلب: وعد الخطيب تعرض فيلم «من أجل سما».. قصة سورية عن الموت والأمل

في جامعة حلب: وعد الخطيب تعرض فيلم «من أجل سما».. قصة سورية عن الموت والأمل

في أجواء مؤثرة تجسد سنوات من الصمود والتحدي، استضاف مدرج النصر في جامعة حلب عرضًا خاصًا للفيلم الوثائقي العالمي «من أجل سما»، بحضور حشد كبير من طلاب الجامعة والناشطين وأهالي المدينة.

الفيلم، الذي أخرجته وعد الخطيب، ابنة حلب، بالتعاون مع المخرج إدوارد واتس، يقدم توثيقًا مؤثرًا للحياة في الأحياء المحررة من المدينة خلال سنوات الثورة والحصار، وذلك من خلال قصة أم شابة عاشت تلك التجربة بكل تفاصيلها.

عودة إلى الجذور

عبرت المخرجة وعد الخطيب عن شعورها بالفخر والامتزاج بالمرارة في هذه اللحظة، وقالت لمنصة سوريا 24: "إنه شعور رائع أن أعود إلى المكان الذي ناضلت من أجله". وأضافت أن "عرض الفيلم للمرة الأولى في جامعة حلب، التي كانت نقطة انطلاق الثورة وجزءًا من نضال السوريين من أجل حريتهم، يحمل مشاعر عظيمة، حيث أعود إلى الجذور حيث كانت الصرخة الأولى بعد سنوات من التهجير".

يروي الفيلم الوثائقي قصة حياة وعد، الشابة التي أحبت حمزة، وهو طبيب، ثم تزوجا ورزقا بطفلة اسمها سما، بينما كان الصراع يحتدم من حولهم. بدأت وعد بتوثيق الأحداث بكاميرا هاتفها المحمول، ثم انتقلت تدريجيًا إلى استخدام معدات أكثر احترافية، وبدأت في تقديم تقارير إخبارية من حلب للقناة الرابعة البريطانية.

في فيلم "من أجل سما"، صورت وعد الأحداث اليومية في مستشفى زوجها، الذي كان المستشفى الوحيد الذي يعمل في حلب آنذاك، بالإضافة إلى الأوضاع المعيشية للأسر التي اختارت البقاء في المدينة المحاصرة، مثل أسرتها. وفي مشاهد مؤثرة، يرى المشاهدون وعد والناس من حولها يمرون بتجربة فقدان الأحبة والنجاة، وهم يتناقشون حول ما إذا كانوا سينزحون أم سيبقون في حلب. وفي تلك الظروف، حملت وعد بابنتها الثانية تيما، واضطرت أسرتها إلى مغادرة سوريا.

بعد قضاء عام في تركيا، استقروا في لندن، حيث تعاونت مع البريطاني إدوارد واتس لتحويل مئات الساعات من اللقطات المصورة إلى فيلم وثائقي. الفيلم يقدم الأحداث من وجهة نظر وعد الخطيب وابنتها الرضيعة، حيث يرفض أهلها مغادرة المدينة من أجل مستقبل أفضل، إلى أن يضطروا إلى التهجير بعد تجربة الحرب الأليمة.

أكثر من عمل سينمائي

«من أجل سما» هو أكثر من مجرد فيلم؛ إنه شهادة حية على الثورة والحصار والقصف، وعلى صون الكرامة في وجه الإبادة. وفي ختام العرض، أوضحت وعد الخطيب أن حضورها في جامعة حلب يتجاوز فكرة عرض فيلم، قائلة: "وجودي هنا اليوم لا يقتصر على عرض عمل سينمائي، بل هو عودة إلى صوت الثورة وروح المدينة، وتوثيق لما حدث كي لا يُنسى.. لا يمكننا العودة إلى الوراء، لكن يمكننا أن نمنع تكرار الألم".

رسالة أمل لا تموت

عرض «من أجل سما» في قلب جامعة حلب، بعد أعوام من الحصار والقصف والتهجير، يؤكد أن القصص لا تموت، وأن الحقيقة ستجد طريقها إلى النور. وينتاب وعد شعور غريب يمزج بين الفخر والغصة، فتقول: "بين فخر كبير بأن أروي قصة مدينتي، وغصة عميقة لأن المكان الذي شهد بدايات الحكاية هو ذاته الذي نعرض فيه القصة كاملة الآن".

تشير وعد إلى الحضور في القاعة، قائلة إنها ترى الوجوه التي رافقتها في المظاهرات السلمية، وفي المشفى، وأثناء التصوير، بينما غابت وجوه أخرى إلى الأبد. وتصف بداياتها المتواضعة في توثيق معاناة الناس بكاميرا بسيطة ومعدات متواضعة، موضحة أنها لم تكن صحفية، بل طالبة في كلية الاقتصاد، تعلمت التوثيق من الشارع ومن قلب الحدث. "كانت حياتنا آنذاك بحدّها الأدنى: كاميرا قديمة، وبطارية بالكاد تصمد، وانعدام شبه كامل للإنترنت.. ومع ذلك، كنا نصور ونحن ندرك تمامًا أن الموت أو الاعتقال أو القصف قد يداهمنا في أي لحظة"، هكذا تصف لحظات الرعب التي عاشتها وعايشتها مع عائلتها الصغيرة والكبيرة في المدينة.

وتضيف: "مع كل هذا الخطر، كان يرافقني أمل راسخ بأن يأتي يوم نحكي فيه قصتنا، لا من أجل الماضي فقط، بل من أجل أن تبقى الحقيقة حية في ذاكرة الأجيال القادمة".

الفيلم بعيون أبناء المدينة

عبرت الطالبة هيا، من خريجي كلية الصيدلة، عن مشاعرها بعد العرض بقولها لمنصة سوريا 24: "الفيلم وجع حقيقي.. لقد أعادنا إلى سنوات كنا نعيش فيها الحدث لحظة بلحظة.. كان ينبغي منذ البداية أن نتحرك.. رحم الله من رحل، وألهم من تهجر الصبر.. لقد شاهدنا مشاهد مألوفة، لكننا رأيناها اليوم بعيني وعد، وكأنها للمرة الأولى".

واعتبر المهندس حنا الناحي، الناشط في مدينة حلب وعضو اللجنة الوطنية للتنشئة الكاثوليكية، أن العرض يحمل بعدًا انتصاريًا، موضحًا: "كلّ لحظة في الفيلم كانت مرآة صادقة للحياة التي عشناها"، وأن المخرجة وعد "قدمت طرحًا واقعيًا يمزج بين الألم والأمل"، وأن "وجودها اليوم مع سما، بعد سنوات القهر، هو رسالة أمل تدعونا إلى مواصلة رواية حكاية مدينتنا كي تبقى حية في ذاكرة الأجيال القادمة".

بدوره، أوضح الناشط الحقوقي عبد الرحمن خضر، الذي عايش أغلب أحداث الفيلم من داخل مشفى القدس، أن كل مشهد في العمل أعاد إليه تفاصيل لا تُنسى، وقال لمنصة سوريا 24: "لكل مشهد وقع خاص، إذ أعادني إلى تفاصيل المكان والأشخاص. بكيت وضحكت في آن واحد". وأضاف: "لن أنسى مشهد الطفل الذي فارق الحياة، لكنه يذكرني دومًا بأننا ما زلنا أحياء، وأن الأمل في بناء وطننا ما زال قائمًا".

مسيرة حافلة بالجوائز العالمية

لا يقتصر تأثير «من أجل سما» على قيمته الإنسانية والتوثيقية، بل يمتد إلى إنجازاته العالمية. فقد حصد الفيلم أربع جوائز في مهرجان “الأفلام البريطانية المستقلة”، هي: جائزة “أفضل فيلم بريطاني مستقل”، وجائزة “أفضل فيلم وثائقي”، وجائزة “أفضل مخرج”، وجائزة “أفضل مونتاج”، وفقًا لموقع “بي بي سي”. كما واصل الفيلم تألقه بفوزه بجائزة أفضل فيلم وثائقي من الأكاديمية البريطانية لفنون السينما والتلفزيون “بافتا”، وترشحه لجائزة الأوسكار عن قائمة الأفلام الوثائقية، إضافة إلى جائزة العين الذهبية في مهرجان كان السينمائي، وجائزة أفضل فيلم روائي طويل في مهرجان “أفلام الهجرة” الدولي بتركيا.

حكاية الفيلم

يروي الفيلم آثار الحرب من وجهة نظر امرأة سورية، ويتناول معاناة وعد الخطيب التي كانت شاهدة على ثورة مدينة حلب السورية، وهي تقصّ ما عاشته لابنتها الصغيرة. 300 ساعة من الحرب داخل حلب السورية هي عمر ما رصدته المخرجة بمساعدة المخرج البريطاني إدوارد واتس، ليخرج فيلم “من أجل سما” إلى النور، فظهر على أنه رسالة حب تبعثها وعد لطفلتها سما. وتم تصوير الفيلم، ومدته 95 دقيقة، مع تعليق صوتي من وعد التي كانت صورت اللقطات منذ كانت طالبة جامعية عمرها 18 عامًا في حلب تشهد بداية الانتفاضة.

مشاركة المقال: