الإثنين, 13 أكتوبر 2025 02:21 PM

في خضم الأزمة السورية: فرصة تاريخية للتفاهم بين قسد والسلطة

في خضم الأزمة السورية: فرصة تاريخية للتفاهم بين قسد والسلطة

في هذه المرحلة الحرجة التي تمر بها سوريا، يرى أنس جوده أن التوصل إلى تفاهم جدي بين "قسد" والسلطة يمثل فرصة لا تقدر بثمن. هذا التفاهم من شأنه أن يضع حداً للصراع الدائر ويؤسس لمرحلة جديدة من العمل السياسي الوطني.

إن نجاح هذا التفاهم يتجاوز مجرد التسويات العسكرية أو الترتيبات الأمنية، بل يهدف إلى تحويل "قسد" إلى قوة سياسية وطنية فاعلة قادرة على تمثيل شرائح اجتماعية واسعة والتفاعل مع القوى الأخرى في مشروع وطني جامع يهدف إلى إعادة بناء الدولة على أسس المشاركة.

هذا المسار، إذا تحقق بوعي، يمكن أن يحول الصراع السوري من مجرد تنافس على النفوذ الجغرافي والأيديولوجيات إلى تنافس سياسي وفكري على إدارة شؤون البلاد. عندما تنخرط القوى المحلية في مؤسسات الدولة وتشارك في صنع القرار وتقديم الخدمات وتوفير الأمن، يبدأ المجتمع السوري تدريجياً في استعادة فاعليته، وتتحول مناطق النفوذ إلى مختبرات مدنية للحكم المحلي والمساءلة.

يكمن الخطر الأكبر في تحول التفاهم المرتقب إلى محاصصة جغرافية جديدة، حيث يبقى المركز حكراً على السلطة، وتكتفي الأطراف بوجود رمزي أو إداري محدود. هذا السيناريو يعيد إنتاج الانقسام بأشكال "شرعية" ويؤدي إلى تفكك قد يستغرق إصلاحه وقتاً طويلاً. التحدي الحقيقي لا يكمن في ترسيم حدود النفوذ، بل في تجاوزها لصالح مشروع وطني موحد.

أما المصيدة الكبرى فهي الانجرار إلى صراع عسكري تبقيه الجارة الشمالية خياراً مفتوحاً وتلوح به كلما احتاجت إلى إعادة ترتيب المشهد الحدودي أو فرض إيقاعها على دمشق. أنقرة اليوم لا تسعى إلى حرب شاملة، لكنها تدير الوضع بذكاء، مستخدمة التهديد العسكري كأداة ضغط سياسية وأمنية لتقييد "قسد" وإبقاء السلطة في حاجة دائمة إلى التنسيق معها وإلى غطائها الإقليمي. وأي مواجهة جديدة في هذا السياق لن تؤدي إلا إلى مزيد من إضعاف الدولة، وزيادة الارتهان للمعادلات الخارجية، وإضاعة هذه اللحظة النادرة التي يمكن أن تبنى عليها الثقة الوطنية من جديد.

اليوم، وبعد سنوات من الدمار والخراب، تكمن الحكمة في خفض سقف المطالب لا في رفعه. فالمطالبة بالحد الأقصى منذ البداية تعني خسارة الحد الأدنى لاحقاً. وحده من يرسخ الآن قواعد الأمن والخدمات والتمثيل الحقيقي، سيستطيع تحويل قوته العسكرية إلى وزن سياسي مستدام. إنها لحظة اختبار نادرة في زمن الانهيار، وإذا لم يتم اغتنامها اليوم، فربما لا تعود أبداً.

سوريا لك السلام (اخبار سوريا الوطن 1-صفحة الكاتب)

مشاركة المقال: