الإثنين, 16 يونيو 2025 02:47 AM

في رأس العين وتل أبيض: سباقات الخيول العربية الأصيلة تتحدى الصعاب وتحافظ على الإرث

في رأس العين وتل أبيض: سباقات الخيول العربية الأصيلة تتحدى الصعاب وتحافظ على الإرث

عنب بلدي – حسن إبراهيم

رغم الظروف الاقتصادية الصعبة وغياب الدعم الحكومي، لا يزال شغف تربية الخيول حاضرًا في مدينتي رأس العين وتل أبيض، حيث يحتفظ عدد من المربين بخيول عربية أصيلة، تعود أنساب بعضها إلى سلالات مشهورة في الجزيرة السورية.

وخلال السنوات الخمس الماضية، أُقيمت عدة سباقات خيول في منطقتي رأس العين وتل أبيض، كان أحدثها في 9 من حزيران الحالي، بريف رأس العين. ورغم إقامة عدة سباقات، تفتقر هذه الرياضة لتنظيم جيد من حيث تجهيز المضمار وشروط السلامة للخيول والفرسان.

جهود ذاتية

حملت البطولة اسم “رأس العين للخيول العربية”، ويحصل الفائزون فيها على كؤوس وميداليات مقدمة من مكتب الرياضة والشباب في المجلس المحلي. وتُنظم السباقات والبطولات بجهود ذاتية من قبل مربي الخيول دون دعم رسمي، والغاية منها استعراض قدرات الخيول التي يملكونها، ومن يحقق المركز الأول في البطولة، فإن سعر حصانه يرتفع من 2000 و3000 دولار أمريكي إلى قرابة الـ7000 دولار أمريكي.

وتغيب الأرقام الرسمية حول العدد الحالي للخيول الأصيلة في المدينتين، وتقتصر البيانات المتوفرة على إحصائيات محلية، حيث قدّر مربو الخيول عددها بـ40 حصانًا، منها 25 في رأس العين و15 في تل أبيض.

وتلعب السباقات دورًا مهمًا في تعزيز قيمة الخيول، إذ تُعد فرصة لاستعراض مهاراتها وأصالتها، وليس فقط بهدف الفوز بالجوائز، كما تسهم هذه السباقات في رفع مكانة الخيل وزيادة قيمتها في السوق بشكل ملموس، وفق متسابقين قابلتهم عنب بلدي.

حفاظًا على الفروسية

ورث شحاذة العيفان (45 عامًا) تربية الخيول من والده وجده، حيث اعتادوا منذ الصغر رعايتها من السقاية والتنظيف إلى التدريب، كجزء أساسي من حياتهم وموروث مهم. يحاول شحاذة، الذي يملك خمسة أحصنة، الحفاظ على هذا الإرث رغم غياب الدعم الرسمي، متحملًا تكاليف العلف والعلاج، وغالبًا ما يلجأ لطرق بدائية لنقص الأطباء البيطريين.

وقال شحاذة لعنب بلدي، إن سباقات رأس العين وتل أبيض السابقة عانت من ضعف التنظيم وغياب ميادين مجهزة ولجان تحكيم وخدمات إسعافية، ما يعرض الخيول والفرسان للمخاطر، ورغم ذلك يشارك المربون للحفاظ على سمعة الفروسية.

ومع سقوط النظام السوري السابق، في 8 من كانون الأول 2024، تفاءل مربو الخيول بتغير المشهد على أمل تحسين ظروفهم ودعمهم في رعاية خيولهم، لكنهم لا يزالون ينتظرون هذه الانفراجة، مواصلين رعاية خيولهم بإمكانياتهم المحدودة.

شحاذة العيفان ذكر أن المربين يأملون أن تنشئ الحكومة الجديدة مضمارًا مخصصًا برأس العين يليق بتاريخ تربية الخيول العربية، التي يزيد عمرها على 200 عام في المنطقة، محذرين من أن غياب الدعم قد يؤدي إلى فقدان هذا التراث وعدم توريثه للأجيال القادمة.

بحاجة تسجيل رسمي لحفظ الأنساب

مصطفى العايد (56 عامًا) من مدينة تل أبيض ويعمل في تربية الخيول الأصيلة منذ أكثر من عقدين، قال لعنب بلدي، إن الخيول الأصيلة حديثة الولادة تحتاج إلى تسجيل رسمي وختم من منظمة “WAHO” لضمان الحفاظ على نسبها.

يمتلك مصطفى سبعة أحصنة أصيلة، أربعة منها مسجلة وتحمل أرقامًا دولية منذ عام 2008، في حين لم تُسجَّل الخيول التي وُلدت بعد عام 2013، بسبب اقتصار التسجيل حينها على وزارة الزراعة التابعة للنظام السوري السابق.

وبيّن أن تسجيل الخيول يمنحها أرقامًا دولية وأختامًا رسمية تحفظ نسبها وتمنع التلاعب، ويفتح أمام المربين فرصة تسويقها وبيعها خارج البلاد، في حين أن غياب التسجيل قد يؤدي إلى خسائر مالية كبيرة عند محاولة البيع.

وأضاف أنه يشارك كل 15 يومًا في سباق محلي ينظمه مربو الخيول في بلدة سلوك، كوسيلة للحفاظ على تقاليد الفروسية وتنشيط الحركة بين المربين، رغم ضعف الإمكانيات وغياب الدعم الحكومي.

واعتبر مصطفى أن وضع الخيول الحالي “كارثي”، إذ انخفضت أسعار الخيول المسجلة من 5000 دولار إلى نحو 2600 دولار، بينما تراجعت أسعار الخيول غير المسجلة إلى ما بين 1000 و1500 دولار فقط، ويعود ذلك إلى موجات الجفاف التي أثرت على المراعي، وغياب أي دعم حكومي أو مؤسساتي للمربين.

تنشط سباقات الخيول العربية في رأس العين شمال غربي الحسكة – حزيران 2025 (عنب بلدي)

غياب الرعاية الطبية للخيول

أدى غياب الرعاية الطبية في تل أبيض ورأس العين إلى تفاقم أمراض الخيول بسبب نقص الفحوصات والعلاجات المناسبة، ما أثر سلبًا على تراث تربية الخيول، وأدى إلى زيادة معدلات نفوقها وتهديد استمرارية تربيتها.

الطبيب البيطري قصي العلي، من مدينة تل أبيض، قال لعنب بلدي، إن الخيول تواجه عدة أمراض شائعة، مثل التهاب الأوتار، والتهابات الجهاز التنفسي، وأمراض الجهاز الهضمي، إضافة إلى الإصابات الناتجة عن الإجهاد والعدوى الجلدية.

وأوضح أن غياب الرعاية البيطرية المتخصصة وفحوصات الكشف المبكر يزيد من تفاقم هذه الأمراض، إذ لا يحصل العديد من المربين على العلاج المناسب في الوقت المناسب، ما يؤدي إلى مضاعفات صحية خطيرة.

وأضاف العلي أن غياب الأطباء البيطريين المتخصصين وغياب المراكز الطبية المجهزة يعرقل توفير الرعاية الضرورية، خاصة خلال السباقات التي تشهد إصابات متكررة.

وأشار إلى أن مدينة تل أبيض سجلت خلال السنوات الخمس الماضية أكثر من سبع حالات نفوق خيول، بينما سجلت رأس العين تسع حالات، بسبب نقص الرعاية الصحية اللازمة، ما أثر سلبًا على صحة الخيول.

منذ 200 عام

مدير الزراعة والثروة الحيوانية في رأس العين، مجد كسار، قال لعنب بلدي، إن اهتمام سكان المنطقة بتربية الخيول يعود إلى أكثر من 200 عام، ويُعد من التقاليد الراسخة لديهم.

وأوضح أن المجلس المحلي، وضمن الإمكانيات المتاحة، يسعى إلى دعم مربي الثروة الحيوانية بشكل عام، ومن بينهم مربو الخيول، لكنه لا يملك القدرة على إنشاء مكان مخصص للخيول بسبب تكلفته العالية وقلة الخبرات المتوفرة في هذا المجال.

وأضاف أن المجلس المحلي، في عام 2022، ضم الخيول إلى قائمة المستفيدين من توزيع الأعلاف خلال موجة الجفاف، حيث حصل المربون حينها على الكيلو بسعر ثلاث ليرات تركية، ما يعادل حاليًا نحو 700 ليرة سورية.

وأشار إلى أن المجلس وضع خطة لإنشاء مضمار خاص بالخيول، لكن المشروع تأجل بسبب تكلفته المرتفعة، على أمل تنفيذه مستقبلًا عند تحسّن الوضع المالي.

وختم بالقول، إن جهود المجلس في الوقت الحالي تتركز على تأمين الأدوية والأعلاف للخيول، خاصة في ظل الجفاف وشح الأعلاف المتوفرة.

وفي رأس العين وتل أبيض، تشتهر الخيول العربية الأصيلة بأسماء (مثل الشقحاط، الحسامي، الصقلاوي، العبيسي، الحميري، الكحيلان، والمغوي)، وتُعرف بقوتها وجمالها وتراثها العريق في المنطقة.

وتلعب الخيول العربية الأصيلة دورًا مهمًا في مناطق رأس العين وتل أبيض، فهي مرتبطة بشكل وثيق بعروض الفروسية وأنماط الركوب المختلفة، مثل سباقات التحمل وقفز الحواجز التي تعد هواية بالنسبة لكثيرين.

مشاركة المقال: